كلنا يعرف معنى هذا الشكل، دائرة حمراء وسطها خط أفقي أبيض.
إنها تعني «ممنوع الدخول»، قد تخاطب سائق السيارة لتحذّره من الدخول في اتجاه معاكس، أو الزبون لئلا يدخل المطبخ، أو المراجع لكي لا يطأ أرض المعمل المخصص للأطباء والخبراء.
لكن ليتنا نقدر أن نستخدمها على المفاهيم، على غير المحسوس الملموس، مثل التدخين، ففي صغري جذبني بعض الأقران نحو تجربته، لكن تحذير أبي الشديد – جزاه الله خيرا – من التدخين (وبدون ضرب أو صراخ، فقط بالتوعية والتنبيه والتحذير)، هذا جعلني غير راغب في أن أكون مدخنا، وقد رأيت أحد أقراني هؤلاء بعدها بخمسة عشر سنة وقد اسودّت لثته واصفرّت أسنانه ولا يستطيع أن يركض عدة خطوات إلا ويسقط لاهثا رغم شبابه، وليس وحده بل رأيت غيره من المراهقين ممن يدخنون ظانين أنها تجعلهم «كول» أو كبارا، ليتني أستطيع أن أعلق لوحة «ممنوع الدخول» على مفهوم التدخين بأكمله لهؤلاء الصغار.
وفي نفس العالم التجريدي تمشي وتقف أمام مبنى فتأتيك روائح مُشهّية، إنها روائح المقليات المنبعثة من الطعام السريع الذي انفجر في كل مكان وأخذ الكثيرين نحو السمنة والأمراض الجسدية والنفسية والبؤس والتعاسة، وذلك بعد أن تزول دقائق الاستمتاع، فقبل أن يسيل لعابك وتمشي نحو المبنى سأضرب واجهته بدائرة حمراء ذات خط أبيض: ممنوع الدخول!
ولو كنتُ مبرمجا عبقريا لابتكرتُ مثل ذلك لمواقع التواصل الاجتماعي، ليس لكل الناس ولكن لغالبيتهم ممن لا يستطيع قراءتها بمسؤولية واعتدال وإنما بنهم وشراهة وإدمان وتأثُّر وجنون، صارت مصدر الأخبار الكاذبة والإشاعات المغرضة والمعلومات الخاطئة (دينية وطبية أيضا) والثقافة الضحلة والقيل والقال السخيفة، ناهيك عن النزاعات اللانهائية على أتفه الأمور كالكرة، يرمون مزاجهم الحسن خارج النافذة لكي يستطيعوا أن يتعاركوا مع أناس مجهولين على الإنترنت ويلتهموا الفارغ من المعلومات.
لهؤلاء ليتنا نجتمع ونلصق على كل مواقع السوشل ميديا، بل على كل شيء ضار فارغ مضيع للوقت.. «ممنوع الدخول»!