تقييم كتاب: Why the West Rules – For Now (لماذا الغرب متفوق؟ وهل سيستمر؟)

الفكرة: ما سبب تفوق الغرب على غيره؟

لمحات: في آخر قرنين ظهرت نظريات كثيرة تحاول تفسير سبب نهضة الغرب وتفوقه، لكن هنا يسرد المؤلف إيان موريس تاريخا طويلا يبدأ منذ 15 ألف سنة، وكيف أن العامل الذي نهض بالغرب هو الجيولوجيا وليس البيولوجيا كما رأت بعض النظرات العنصرية، مواقع القارات والأقاليم الغربية جعلتها في موضع يسمح لها أن تمارس ما يسميه المؤلف “التطور الاجتماعي Social development” والذي يُعرّفه أنه نمو وتطور مستمر يقوم على البيئة والمجتمع، ويقيس تطور الدول والحضارات بمؤشر النمو الاجتماعي، والتطور الاجتماعي له أربعة أسس:

  1. استخراج الطاقة من الحيوان والنبات والبيئة: أي حضارة تصل لطريقة استخراج الطاقة والحصول عليها من بيئتها تستطيع أن تضع هذه الطاقة في مواضعها الضرورية للنهضة والتطور.
  2. المدنية: وهي القدرة على التنظيم، وترى هذا في عدد سكان المدن عبر التاريخ، فكلما زادت كلما كان هذا أقرب للمدنية.
  3. معالجة المعلومات: قدرة المجتمع على نقل وإيصال المعرفة، مثل قدرة الملاحين على الحصول والوصول إلى خرائط صَنَع الفرق بين ملاح لا يستطيع أن يفارق إقليمه وملّاح سافر بين آسيا وأوروبا.
  4. القدرة على الحرب: استخدام الأعمدة الثلاثة السابقة في التدمير.

مؤشر التطور الاجتماعي قاس تلك العوامل الأربعة في الحضارات السابقة على مدى آلاف السنين الماضية، والعجيب أنه لم يجد أي فرق كبير بين الغرب والشرق، عدا ارتفاعات طفيفة في الغرب. هذا على مستوى تاريخي، من ينغمس في زمن ومكان معين – اليوم مثلا، أو خاصة قبل 200 سنة – فسيجد فرقا هائلا بين الشرق والغرب، لكن على الطبقة التاريخية تتضاءل هذه الأمور كلما زاد طول الخط التاريخي الذي تنظر إليه.

الذي أثار استغرابي هو أن المؤلف عندما يقول “الغرب” فهو لا يقصد الغرب الذي نعرفه (أوروبا إلخ) بل الغرب يشمل العالم الإسلامي اليوم! “الغرب” بالنسبة لموريس هو الجوهر الحضاري الذي طور الزراعة ثم المدن والإمبراطوريات في شرق البحر الأبيض المتوسط ​​، وانتشر لاحقًا عبر أوروبا وأمريكا الشمالية، فمنذ آلاف السنين ظهرت حضارتان، واحدة في الهلال الخصيب في المشرق الإسلامي اليوم وامتدت غربا، هذه كلها هي الغرب، وأما “الشرق” فهو الصين، وهي الحضارة الأخرى التي بدأت فيما بين النهر الأصفر ونهر يانغتسي. هذا التعريف للغرب ليس جديدا بل ظهر عام 1987م أول مرة للكاتب “ديفد ويلكينسون”.

الحربان العالميتان أثّرتا على الغرب لكن تأثُّر الشرق كان أسوأ

عام 1100م وصلت الحضارة الصينية إلى ذروتها لما وحّدت سلالة “سوي” Sui الحاكمة الصين وأدخلت الصين عصرها الذهبي، لكن الغرب بدأ يضعف بعد الانقسامات والصراعات بين الدول الغربية والتي تشمل المسلمين كما ذكرت ويدخل في هذا انقسام الغرب إلى نصراني ومسلم. بين 1000-1500م قفز الغرب بسبب العثور على طرق تجارة جديدة وضعف الشرق بسبب صراعات الصين مع قبائل المغول الشرسة. بين 1500-1800م نهض الغرب بعد اكتشاف أمريكا وكندا (موارد جديدة غزيرة) والفتوح العلمية (نظريات نيوتن مثلا فتحت الباب نحو قفزات علمية ضخمة). اختراع الاسكتلندي جيمس واط للمحرك البخاري صنع ثورة علمية سمحت بقيام الثورة الصناعية التي أعطت الغرب تفوقها الهائل الذي نعرفه اليوم. حتى في القرن العشرين المأساوي للغرب والذي رأى أسوأ حربين في تاريخ البشرية بالإضافة للحرب الباردة كان الغرب أفضل حالا من الشرق بعد تدمير اليابان لأجزاء من الصين وتدمير أمريكا لليابان، والذي أضعف الشرق كثيراً.

لكن بدأ الشرق يغلق الفجوة، ففي التسعينات فتحت الصين أسواقها لإصلاحات اقتصادية وخصخصة واسعة، وطار الاقتصاد الصيني كالصاروخ، وأكملت الصين صعودها الاقتصادي والعسكري والتقني والجيوسياسي، ويُتوقّع أن تتفوق على الغرب بحلول عام 2103م كحد أقصى وربما قبل ذلك، لكن هناك عوامل مجهولة كثيرة يمكن أن تغير هذا المسار.

الشرق والغرب طالما كانا قطبين بارزين في العالَم، لكن الكتاب له تعريف مختلف

التقييم: من ناحية جمع وتركيب وتأليف المعلومات مع بعضها فإن هذا الكتاب عظيم، غير أني لم أقتنع تماما بأن أسباب نهوض الغرب مادية بحتة، فالكتاب لا يتكلم إطلاقا عن أثر الأديان والثقافات وطرق التفكير في نهوض الغرب، ونظرية المؤلف مريحة للشعوب غير الغربية التي ترى أن نهضة الغرب (وهنا أقصد الغرب كما نعرّفه نحن الشرقيون لا كما يعرفه الكاتب) هي نتاج فقط للجيولوجيا وعوامل كونية، لكن الحقيقة أن هذا يجانب الصواب، فكيف ننفي العقلانية الغربية مثلاً والتي تمخّضت بعد آلام اجتماعية حضارية هائلة وأنتجت ثورتهم العلمية؟ إذا صدّقنا هذه النظرية فإن هذا أيضاً ينفي أي تفوق للمسلمين، فالعصور الذهبية في الأندلس مثلاً ووقت الخلافة العباسية والتي امتاز فيها المسلمون بعلم وحضارة لم يكن لها مثيل سوف تُستبعد، سيكون التفسير فقط أن موقع المسلمين والجيولوجيا هي الأسباب، بينما تلك النهضة أتت من مشاق وصراعات وصبر وعلم وتعليم تعلّم ومعاناة. رغم ذلك أرى أن الكتاب يستحق القراءة بلا أدنى شك لكل من له اهتمام بالتاريخ، فهو غزير المعلومات وأسلوبه لطيف وسلس.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *