نهاوند معركة هائلة بين المسلمين والفرس، انتهت بانتصار المسلمين بعد صراعٍ رهيب يشيب الولدان، ورجع حامل الأخبار إلى عمر يبشره، وكان الناس هُم هَمُّ عمر الدائم، فأخذ يسأل عن حال المسلمين وما حصل لهم، وسأل عن الشهداء، فقال المبعوث: قُتِل فلان وفلان، منهم قائد الجيش النعمان بن مقرِّن، وآخرون، ثم قال المبعوث: وآخرون لا تعرفهم. فرد عمر باكياً: «وما ضرّهم ألا يعرفهم عمر؟ لكن الله يعرفهم».
المجهول ليس معدوماً، المخفي يظل موجوداً وإن لم تره، البعض لا يؤمن إلا بما يرى فيُلحد، وهناك في الغرب من يُنكِر وجود أنبياء مثل سليمان قائلاً: تزعم الكتب السماوية أنهم عاشوا وحكموا الممالك العظيمة لكن أين آثارهم؟ لكن ينبه علماء الآثار -ومنهم نيكولاس كْلاب مؤلف كتاب Sheba والذي يحكي رحلته العجيبة للبحث عن آثار ملكة سبأ- أن عدم الدليل ليس دليلاً على العدم، بالإنجليزية absence of evidence is not evidence of absence، فقط لأن برهان شيء ما غير موجود الآن، لا يعني أن هذا دليل قاطع ونهائي على عدم وجوده، قاعدة صحيحة خاصة في علم الآثار، حتى في حياتك اليومية لا ترى أشياء أمامك وفوقك وتحتك وفي كل مكان.. لكنها موجودة.
امشِ إلى أقرب حديقة أو زرع، ماذا ترى؟ لا شيء، مجرد تربة وقصبات زرع قصيرة خضراء، لكن عالِماً غرف طبقة علوية صغيرة من تربة كهذه وفحصها فوجد عالماً بل كوناً صغيراً لا نراه، في هذه التربة وجد أن في مساحة صغيرة لا تزيد على 930 سم مربع هناك 1356 كائناً حياً، بما فيها 865 عثة وسوسة، 265 حشرة لا جناحية، 22 أم 44، 19 خنفساء وحشرات مشابهة، وهذا فقط للكائنات المرئية، لو أنه تجاوز ذلك إلى دراسة الحياة الميكروبية لوجد مليارات البكتيريا وملايين القطريات والأواليات والطحالب.. في ملعقة صغيرة من التراب!
لا تراها، لكن هناك عالمٌ كامل في تراب قدره ملعقة شاي بجانب الطريق.