الزمن يمشي والأيام تتبخر، البعض يعيشها حتى أقصاها، والبعض يتركها تمضي ضائعة.
إذا كنتَ من هذه الفئة فأنا متأسف على زوال أيامك فيما لا يفيد أو في الهم والغم، فالوقت موردٌ لا عوض له، عكس المال الذي يأتي ويذهب، وإذا ولّت اللحظة ولّت للأبد، وتستحق تلك اللحظة الضائعة النعي والتأبين كأنها إنسان فقدناه.
أنعي إليك تلك اللحظة عندما جلستَ تشرب القهوة مع إنسانة رائعة أو إنسان رائع لكنك أفسدتها عليكما لما أثرت خلافات سابقة بينكما، أو لما جلست تُحدّق كالتمثال في جوالك وتجاهلتهم.
أنعي إليك اللحظة التي أتاك فيها طفلك بإلحاح شديد وحماس لتشاركه موقفاً مهماً له يتعلق بلعبة أو رسوم متحركة أو شيء لا تأبه له فتزجره وتصرخ عليه أن يتركك لأنك مشغول بشيء هو في الواقع أقل أهمية ألف مرة من تلك اللحظة، حتى لو كان أمرا من أمور العمل، تضعه فوق لحظات لا تتكرر مع عائلتك المحبة رغم أن العمل لا ينظر لك نفس النظرة، ولو أنك استقلت أو سُرِّحت لاستبدلوك ببساطة، بينما ذاك الطفل يراك أعظم أهمية من ذلك ولا تُستبدل في عينيه أبدا، سيأتي يوم تقول فيه: ما أجمل لحظات طفولة طفلي! تقولها وأنت تقلب صوره القديمة، لكن لن يأتي أبدا يوم تقول فيه: ليتني قضيت المزيد من الوقت والجهد في العمل.
أنعي لما حصل لك موقف عابر – مثل موقف أثناء القيادة أو تفسيرك لكلمةٍ مبهمة تفسيراً سلبياً – ولم تترك الموقف يمر بسلام، بل أخذت تفكر فيه وتغضب منه وتصب الشتائم على الآخر، وبعد أن تحترق أعصابك وتتسمم عروقك من الغضب الزعاف ما هو إلا قليل حتى يمر بك موقف آخر مشابه بعد أيام فتبدأ نفس دورة العذاب الذي تُسلّطه على نفسك، لحظات كنتَ تستطيع فيها أن تستمتع بوقتك أو تستفيد منه.
هذه نماذج شائعة، وهناك الكثير غيرها، فيا أسفاً على تلك اللحظات الضائعة من أعمار الناس، تستحق الأسف، والشفقة، والنعي.