سألني عمّي وأنا طفل: ما الاسم الذي ترغب به لو كان لك الخيار؟ قلت: لا أريد غير إبراهيم.
اسمي إبراهيم العمار. اسم منذ الطفولة كان أهم اسم في حياتي، لأنه اسمي، يعبر عن كينونتي، عن وجودي، جوهري، شخصيتي، كل هذه صار لها عنوان واحد وهو اسمي، فإذا ذُكِر يَذكر الناس كل تلك. اسمك بلا شك هو أهم اسم لديك
اسم العائلة هام في معظم العالم، ما عدا بعض الدول الإنجليزية التي يغير فيها الناس أسماءهم الأولى وحتى الأخيرة، حتى لا يُعرَفون إلا بالألقاب التي اصطنعوها، لكن في بقية البلدان والشرقية خاصة فاسم العائلة له أهمية بالغة، فهو خط إلى الماضي، إلى الأصل.
لكن مع مرور الزمن صرت أدرك أن ما يهم هو الجوهر وليس الاسم. الكل يقول ذلك، لكن التطبيق مسألة أخرى!
بمجرد أن أسمع اسماً آخر يتبادر إلى ذهني صفات وعادات أهل البلد، لهجتهم، أشكالهم. لكن ليس هذا ما أريد معرفته. إذا سمعت اسمك فإني أريد أن أعرفك أنت، مجرّداً من العوالق التي تجعلنا نتصورك ونحكم عليك قبل حتى أن نعرفك. أريد أن أعرف عقلك، جوهرك، طبيعتك، علمك.
الاسم كالاختصار المُخلّ، كأنه يقول: «هذا شخص من المنطقة الفلانية ولهجته كذا وعاداته كذا واعتقاداته كذا، وانتهينا».
كلنا لديه انطباعات مسبقة عن المناطق والدول بل والمدن، نسمع اسماً وتنشأ في أنفسنا أفكار ومشاعر إيجابية أو سلبية، أو ربما حياد، وكلها خاطئة، الاسم لا يمثل طبيعة الشخص وجوهره.
الاسم يؤثر على فرص التوظيف، دراسات كثيرة وجدت أن المرشحين الوظيفيين تزيد فرصهم أو تنقص بناء على أسمائهم فقط، لأن المسؤول عن فرز ومراجعة السير الذاتية يتحيز إما عمدا أو لاشعورياً إذا رأى اسمك.
هل تتذكر المنتديات الحوارية؟ كانت شديدة الانتشار على الانترنت، مِيزتها أنها فَصَلَت الأفكار عن الأسماء، ترى المواضيع والردود ولا ترى إلا مُعرِّفات وليس أسماء حقيقية، تتحاور مع العقول والنفوس، لا تؤثر الأسماء على انطباعك المسبق. لو أنك قرأت موضوعا جميلا هناك لأحببته وأعجبت بالكاتب، والذي ربما معرّفه أو معرّفها شيء مثل “الضباب” أو “الصقر الحر” أو “الخزامى”، لا يهم، فليس اسمهم الحقيقي المحمل بالتحيزات والأحكام، لكن لو أنك قبل قراءة الموضوع عرفت اسم الشخص لربما قلت: آه هو من المكان الفلاني، لا حاجة لي في الموضوع. أو ربما تقول: حصل لي موقف سلبي من قبل مع شخص بهذا الاسم، لست متحمسا للقراءة. التحيزات هذه ليست صريحة وعقلانية لكنها تلعب في عقلك الباطن، وتسرح وتمرح وأنت لا تدري. التواصل العقلي النفسي في تلك المنتديات وصل لأعلى درجات الصفاء عندما يتكلمون العربية الفصحى وبلا إشارة لأصل وبلد الشخص، وضعٌ فريد من التواصل البشري لا أعتقد أنه رؤي من قبل.
لهذا عندما أفكر في اسمي فإني أتساءل: ماذا يعني للآخرين؟ هل هناك من سيقارن كتاباتي بكاتب آخر يعرفه اسمه إبراهيم قبل أن حتى أن يقرأها؟ هل هناك من سيتحيز ضدي مسبقا بسبب اسمي أو المكان الذي وُلدت فيه أو لباسي أو لهجتي إلخ؟ هذه الأشياء ليست جوهري، بل مجرد أجزاء وأعراض مني، جوهري وحقيقتي لن تعرفها إلا إذا قرأت كتاباتي أو تحاورت معي أو اختلطت بي كثيرا.
أن تكافح التحيز التلقائي الذي يقترحه العقل بمجرد سماع اسم إنسان آخر فيه بعض الصعوبة، لكنها معركة تستحق الخوض.
في المقهى الذي أرتاده تعرّفت على رجل بالغ الثقافة والاطلاع، نتحاور باستمرار عن الثقافة والحياة وأحداث العالم، لنا عدة أشهر على هذا الحوار اليومي.
وحتى الآن، لا يعرف اسمي، ولا أعرف اسمه. ما أسعدني!