عندما يمسك النجار مطرقة، فإن المطرقة – في نظر المخ – جزء من يده.
شيء يحصل في المخ كما يقول الكاتب العلمي نيكولاس كار، وكذلك عندما يرفع الجندي المنظار المقرب إلى عينيه فإن المخ يرى من عينين جديدتين ويتكيف بسرعة مع مجال الرؤية الجديد. لكن الرابط الوثيق بيننا وبين أدواتنا له تأثير متبادل: كما أن التقنية امتداد لنا فإننا نحن أيضاً نصير امتداداً لها. إذا أمسك النجار المطرقة وصارت كيدٍ جديدة فهو عاجز عن فعل أي شيء باليد الجديدة إلا ما تمليه هي عليه. لن يطير بها أو أن يقص بها، فقط يطرق المسامير. الجندي لن يرى إلا ما يسمح له المنظار به، فصحيح أنه يرى الأشياء البعيدة لكنه أعمى عن الأشياء القريبة. كل آلة تفرض قيوداً حتى لو أتاحت فرصاً، فكلما استخدمناها أكثر، سَبَكْنا أنفسنا في صورتها أكثر.
يشرح مارشل مكلوهان كيف أن التقنية تقوينا وتضعفنا في نفس الوقت، فيقول في كتابه “فهم الإعلام” أن الأدوات في النهاية تخدر العضو الذي تقويه، فإذا قوّينا أحد أعضائنا أو حواسنا فإننا في نفس الوقت نُبعد أنفسنا عن هذا العضو ووظائفه الطبيعية، فلما اختُرِعت آلات الخياطة صار الحائكون ينتجون من النسيج أكثر بكثير لكنهم ضحوا ببراعتهم اليدوية في الحياكة وفقدوا إحساسهم بالنسيج، صارت أيديهم “مخدرة”.
قدرات البحث والحساب والترجمة والتفكير أوكلناها إلى برامج وأجهزة فذبلت عقولنا. اعتمادنا على برامج الملاحة أفسد قدراتنا الملاحية الطبيعية وتخيُّلنا للمساحات الجغرافية الواسعة. دراسات لا حصر لها أظهرت ذلك، فضعفت الذاكرة البشرية مع الاعتماد على التخزين الرقمي، وهزلت الثقافة لما اطمأننا أن العلم كله على بعد ضغطة زر. العالم كريستوف نيمويغن اكتشف في تجربة أن حتى قدرات حل المشكلات والتفكير الاستراتيجي ساءت عند من استخدموا برامج حاسوبية مساعدة.
وهذا بالضبط ما تفعله التقنية بمخك إذا استخدمتَ الإنترنت بشكلٍ مستمر. إنها تصير امتداداً له، تشعر أنه ازداد قوة .. لكنه صار أضعف.