اقرأ قائمة الكلمات التالية بعناية: حلويات، حامض، سكر، مر، طيِّب، مذاق، سنّ، جميل، عسل، غازيات، شوكولا، قلب، كعكة، أكل، فطيرة.
اقرأ كل واحدة منها، لا تقفز أيّاً منها.. تفحّصها 30 ثانية.. الآن غطِّها.
أيٌّ من الكلمات التالية وردت في القائمة: مذاق، نقطة، حلو.. الكثير من الناس يتذكرون جيداً أنّ «نقطة» لم ترد في القائمة، والأغلبية كذلك قالت إنّ «مذاق» أتت، لكن ماذا عن «حلو»؟ إذا تذكرت أنك رأيتها فهذا يُظهر لك إحدى خصائص عقلك كما صممه الله: أنّ ذاكرتك تعتمد على استذكار مغزى القائمة وليس تفاصيلها، ذلك أنّ كلمة «حلو» لم تأتِ في القائمة!
هذه من الأفكار التي ذكرها العالِم لينارد ملادنو في كتابه «اللاوعي» والذي يتكلم عن عمليات تحصل باستمرار في المخ بدون أن نشعر، عمليات يصنعها المخ بلا وعي وكلها لها وظائف هامة، منها عملية استذكار المغزى المذكورة والتي تقوم على مبدأ «سد الفراغات»، ذلك أنّ عملية التذكُّر تشبه تخزين الحاسب للصور، فالصورة تُضغط، أي أنّ الحاسب يحتفظ منها فقط بأجزاء أساسية، مما يقلّل حجم الملف كثيراً. عندما تشاهد الصورة يتنبأ الحاسب من المعلومات التي لديه عما ستكون بقية ملامح الصورة. إذا شاهدتَ صورة صغيرة جداً مصنوعة من صورة مضغوطة ضغطاً كبيراً فهي تشبه الأصلية، لكن إذا أخذتَ صورة صغيرة وكبّرتها كثيراً سترى أخطاء وتشويشات مثل أجزاء كبيرة من نفس اللون يطغى على جانب من الصورة، حيث أخطأ الحاسب في التنبؤ، وهذه هي العملية التي قال بها أحد العلماء: تذكّر المغزى، عبئ الفراغات، صدِّق النتيجة.
مبدأ سد الفراغات هذه يستخدمه المخ كثيراً، ومن ذلك عملية الإبصار. المخ يملأ فجوات البصر، ويحسِّن المدخلات البصرية، ومن أمثلة ذلك النقطة العمياء. هناك نقطة في المجال البصري تغفل عنها العين، فالعين تتحرك حركات صغيرة لتعوِّض النقص. لديك 6 عضلات تجعل العين تتحرك 100 ألف مرة في اليوم! أثناء هذه الحركات الكثيرة جداً تغفل العين عن بعض التفاصيل عندما تنقل من نقطة لنقطة، وتلك الأوقات يتجاهلها المخ ويعبّئها بما يرى أنه مناسب لإكمال الصورة.
هذه أمثلة، وأساليب المخ هذه تعوّدنا عليها جداً حتى صرنا لا ننتبه لها أو لا نُدرك أصلاً أنها تحصل في عقولنا.