لا تفاجئ الناس بالمجهولات!

شرح لنا الأستاذ الدرس، ثم قال بنبرة مهمة: واسم هذا “الجداء الديكارتي”.

ضربتُ أخماساً في أسداس محاولاً استيعاب المسمى الغريب، فلم أعرف إلا بعد سنين أن “جداء” تعني الضرب المعروف في الرياضيات، والديكارتي من رينيه ديكارت وهو عالم رياضيات وفيلسوف معروف، ولكن المدرس لم يشرح هاتين النقطتين ما جعل عقلي عالقاً يعمل على تفسير الكلمة وانشغل عن الدرس بأكمله!

أستغرب حتى الآن ممن يريد شرح مفهومٍ ما فيبدأ بتفاصيله قبل أجزاء أهم مثل الهدف من المفهوم، معنى المسمى، أصل الفكرة (لو كان هذا ضرورياً)، وما إلى ذلك. لو أردتُ أن أشرح لأحد معنى “الاستنباط الأرسطوي” فلن أدخل فوراً في لحم الموضوع وأدق تفاصيله، بل سأشرح للتلاميذ معنى “استنباط” (هي كلمة معروفة لكن قد يجهلها البعض)، ومن هو أرسطو، وتبسيط للمفهوم وما يمكن أن ينفع به، ثم شرح مجمل لأهم العناصر التي تكوّن الموضوع، ثم التفاصيل والأمثلة الكثيرة.

مهم جداً إذا أردت أن توصل فكرة إلى عقل أن تراعي أيضاً قدرته الاستيعابية وخلفيته الحضارية والثقافية، وهذا جاء في قاعدة عظيمة لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه عندما قال: حدّثوا الناس بما يعرفون، أتحبّون أن يُكَذّب الله ورسوله؟ بعض المتحمسين إذا جاء أحد من غير المسلمين وسأله عن الإسلام أخذ يسهب بحماسة يحكي كل شيء حتى الغيبيات والمعجزات وأمور الآخرة، وهو خطأ فادح خاصة لو كان السائل صاحب عقلية علمية أو منطقية تعودت على تكذيب هذه الأمور، وقد يُنفّر المجيب السائل تنفيراً لا رجعة منه.

مبدأ عمره 1400 سنة لكن ما يزال منطبقاً، حدث الناس بما يعرفون ويعقلون وبالتدريج وبالحنكة، وما قصة الجداء الديكارتي بعيدة!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *