حدثنا قوقل عن شيخه نتفلكس

من كان شيخه كتابه، فخطؤه أكثر من صوابه.

قالوها عمَّن لا يطلب العلم من العلماء، بل يكتفي بقراءة الكتب وحيدا، وهذا يجعله مُشوَّه المعلومات، من المشكلات القديمة الطريفة “التصحيف”، استخدام كلمة غير معناها، قبل استخدام النقطة تشابهت الحروف، ح ح ح نكتبها اليوم ج ح خ فتتضح، آنذاك كانت تلك تتماثل، ومثلها بـ نـ تـ ثـ يـ  ، ذهب أحدهم إلى تابعي عالم فسأله: هل حدثك عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الخبز؟ فتبسم وقال: إذا نهى عن الخبز فمن أي شيء يعيش الناس؟ إنما نهى عن الخمر.

الكتب أهم مصادر المعرفة، خاصة لو أضيف لها التعلّم من عالمٍ موثوق، وبينما الكتابة العربية واضحة اليوم فإن مشكلتنا ليست في شكل المعلومات، بل مصدرها.

في الماضي ظهر عِلم الرجال، علم فريد أنشأه المسلمون ونقل لنا الحديث والسيرة، مر عليك “حدّثنا فلان عن فلان”، سلسلة متصلة من الرواة المتّفَق على عدالتهم (موثوقية روايتهم للحديث)، من أقوى وأوثق المنهجيات العلمية، لكن اليوم نرى عكس هذه المصدرية القوية، انتشرت فكرة أن بعض “القوقلة” بديل للقراءة والتعلم والنقاش. لا تستغرب لو رأيت الجهل المهول اليوم، يسمع أحدهم أن عالم النفس أو الاجتماع أو التاريخ الفلاني قال كذا وكذا، شيء يخالف الهوى، فيُخرج صاحبنا جواله ويقوقل ليجد أول مصدر يوافق هواه فيبرزه لك ظافرا وكأنه ناطح العالم وأفحمه!

يحرص البعض أكثر من ذلك، فيشاهد الأفلام الوثائقية، وهي عموما أفضل من القوقلة العشوائية، لكن شتان بين الوثائقي والكتاب، الوثائقي الذي شاهدتَه في يوتوب لا مصادر لديه، لا تدقيق علمي، لا تمحيص، يستطيع أي غلام مجهول أن يصنع فيديو جميل يتبنى فيه وجهة نظر، تشاهده فتتأثر وتوافقه وتستشهد به، رغم أنه معدوم القيمة العلمية. الكتاب عادة  يُفترض أن لا يُنشَر إلا بعد أن مرت عليه الكثير من الأعين والتصحيحات، وتدقيق علمي صارم، يضع فيه الكاتب اسمه الحقيقي على المحك، أما الفديو المجهول على يوتوب فلا مخاطرة فيه، الذي صنعه مجهول والذي رفعه مجهول وكل شيء مجهول في مجهول، ظلمات بعضها فوق بعض.

لذلك، قبل أن تقول “أنا أعرف”، اسأل نفسك: هل قرأت فعلاً من مصادر موثوقة؟ أم أنك كمن يزرع القمح في الشتاء ويظن أنه مبتكر؟ العلم نور، فلا تأخذه من سراب القوقلة السطحية أو ظلام الوثائقيات المجهولة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *