لماذا نعود دائمًا إلى المسلسلات المألوفة؟

في كل مرة أقرر فيها تجربة مسلسل جديد أجد نفسي أعود إلى قائمة المفضلة: The Office، Seinfeld، Frasier، وغيرها.

 أعرف أن هناك أعمالًا رائعة لم أشاهدها بعد، لكنني لا أستطيع مقاومة العودة إلى هذه العوالم المألوفة. لماذا؟

حياتي تتغير. أحيانًا بسرعة لا أستطيع اللحاق بها. وسط كل الزحام والضجيج والتغيير، هناك شيء واحد يبقى ثابتًا: مايكل سكوت لا يزال مديرًا أحمق لكنه محبوب، جيم لا يزال يمزح مع دوايت، بام لا تزال عالقة بين الحلم والواقع. لا شيء يتغير، وأنا أحب ذلك.

عندما أعود إلى هذه المسلسلات، أشعر وكأنني أزور أصدقاء قدامى. ليس هناك توتر مما سيحدث بعد خمس دقائق (رغم أني أفتقد توتر التشويق)، لا شيء يحتاج إلى تحليلات أو تفكير عميق. أنا أعلم أن المشهد القادم سيكون مألوفًا، وأحيانًا أقول الحوارات قبل أن ينطق بها الممثلون.

هذا الأمان لا يوفره أي مسلسل جديد، مهما كان رائعًا. تجربة شيء جديد تتطلب مجهودًا عقليًا وانخراطًا عاطفيًا، بينما المسلسل الذي شاهدته عشر مرات يتيح لك الاسترخاء، لأنك تعرف كل شيء مسبقًا.

لماذا نفعل هذا؟ قد يبدو أننا نعود إلى هذه المسلسلات لأنها مضحكة، لكنني أعتقد أن الأمر أعمق من ذلك. هناك لحظات، حين تكون حالتي النفسية متوترة أو مليئة بالضغوط، لا أبحث عن شيء جديد يُضحكني، بل عن شيء أعرف مسبقًا أنه سيُضحكني.

إنه مثل إعادة قراءة كتاب تحبه. حتى لو عرفت كيف تنتهي القصة، فإنك تعود إليها لتستمتع بالرحلة نفسها، وليس للوصول إلى النهاية.

وهنا تكمن المفارقة: نعود إلى هذه المسلسلات لأنها تجعلنا نشعر بالراحة، لكنها في الوقت نفسه تمنعنا من التغيير.

أحد أقوى أسباب العودة إلى هذه المسلسلات هو الشعور بالحنين. كثيرون منا ربطوا هذه الأعمال بفترات جميلة من حياتهم. ربما شاهدت Friends لأول مرة عندما كنت طالبًا، أو كان The Office هو المسلسل الذي ساعدك على تخطي فترة صعبة.

لكن هل هذه مجرد نوستالجيا (حنين للماضي)؟ أم أننا نتمسك بهذه الأعمال لأننا نخشى التجديد؟

التعلق بالماضي يمنح شعورًا مؤقتًا بالأمان، لكنه قد يصبح قيدًا إذا كان يمنعنا من خوض تجارب جديدة. ربما لهذا السبب أحيانًا نشعر بأن حياتنا متوقفة بينما العالم يستمر في المضي قدمًا. أشعر أني تخلفت عن الركب وأنا لم أشهد بعض المسلسلات الرائعة التي سارت بها الركبان.

لكن هناك دفء ولذة في مشاهدة مسلسل مثل Frasier، الحياة الراقية، الذوق الرفيع، أشاهد أريكته الفاخرة وأشعر بنوع من الدفء، كأني أنتمي إلى هناك، أرغب في ذلك، أن أصادق رجلاً راقياً مثل د\فريجر كرين العالم النفسي المرموق، في شقته ذات الذوق الرفيع نتبادل الأحاديث. أو أن أدخل بلا استئذان على جيري ساينفلد في شقته في نيويورك، نتحدث عن صغائر اليوم، أفقط نفسي في حوار مبتذل عن أفضل طريقة لتناول لوح “سنيكرز”، هل باليد أو بالشوكة والسكين! أو عن الفرق بين طبق سلطة كبيرة وطبقين صغار وهل حجم الطبق يؤثر على مذاق السلطة، أو عن إيتيكيت “إعادة الإهداء”، أي أن يهديك شخص هدية لا تريدها فتهديها لثالث لتتخلص منها وتكسب وده في نفس الوقت. هناك متعة صافية في مشاهدة تلك المشاهد والاستماع لتلك الحوارات يفوق التلذذ بالجديد!

سأعطي الجديد فرصة، أشاهد حالياً مسلسل ممتاز اسمه The Penguin، أمشي فيه ببطء، ربما لأني لم أشاهده من قبل ولا أتطلع للذة التهامه في جلسة واحدة! لكن سأعطيه فرصة، إنما في الوقت الحالي أردت مشاركة هذه الخاطرة معك. هل توافقني في أن للمألوف لذة فائقة لا تكاد توصف؟

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *