في بدايات أجزاء الكتب الإنجليزية تجد مقولات مقتبسة، كلمات قيلت أو كُتبت من قبل، قالها شخص ما ولها علاقة بالجزء الذي سوف تستهلّه المقولة، كنوع من التمهيد أو الاستشهاد، ومقولات الفلاسفة والعلماء والمفكرين معتبرة وذات قيمة كما هو معروف، لكن حتى لو كان الكلام المنقول يخص شخصا عاديا فإن مجرد اقتباسه في كتاب أو محاورة شفوية يعطيه -آلياً- قيمة فورية!
هذه من معايب العقل البشري، فهو مستعد أن يعاند من أمامه لكن يحترم كلام الغائبين، ولو أنك تحاور شخصا وقلت له: «إن الإنسان لا يعرف نفسه إلا إذا سلبت منه حريته»، فربما يوافقك أو يخالفك، لكن لو فقط أضفت قبل تلك العبارة كلمة “يقال” فستجد أنها تحولت إلى حكمة وربما سارت كمثلٍ يستمر مدى الأجيال، ولو كان القائل المجهول هو أنت.
الخطر يزداد لو كثر الناس الذين يرددون المقولة، وهكذا تنتشر الشائعات، من “قالت فلانة” و”قال فلان” و”يقولون”، وفلانة وفلان سمعوها من غيرهم، فترى لا شعوريا وخطأ أن هذا يضفي المصداقية على الكلام، وأبرز قصة في التاريخ توضح خطأ اتكالك بلا مساءلة على كلام الناس هي حادثة الإفك، فحتى بعض الصحابة خاضوا مع الخائضين لمجرد أن الغير قاله.
والطريف أنه يمكن تغيير الرأي فقط بحذف القائل ونسبة الكلام إلى مجهول، فلو قلتَ لشخصٍ ما: قال نابليون: «التاريخ ليس إلا كذبات مُتّفق عليها»، فقد يعجب بالكلام لمعناه وصحته، وقد لا يكترث، وقد يرفضه لأن نابليون من دين وعرق ولغة وحضارة ووقت مختلف، لكن لو حُذف نابليون واستُبدل بــ”يُقال” فسترى علامات الإعجاب والموافقة على أوجه الكثيرين.
قال قالوا قالت يقولون، كفانا الله شر ثقتنا في “يقولون”!