المؤامرات تُشبه القصص المثيرة. فيها أبطال وأشرار، ومؤامرات خفية تُحاك في الظلام. لهذا عندما يواجه بعض الناس تفسيرًا بسيطًا لحدث كبير، يشعرون أنه ناقص، غير مقنع، بلا حبكة. كيف يمكن لفيروس صغير أن يوقف العالم؟ لابد أن هناك جهة ما خلفه! كيف ليمكن حدث كبير أن يحصل من تلقاء ذاته؟ لا يمكن! كلما كبر الحدث دل هذا أن هناك من وراءه!
عقل الإنسان يكره الفوضى. يحب الربط بين الأحداث، البحث عن نمط في العشوائية، تفسيرات تعطي معنى لما يبدو غير منطقي. وهذا جزء من طبيعتنا، كان مفيدًا عندما كنا نعيش في البراري، نحاول فهم المخاطر من حولنا. لكن في العالم الحديث، يتحول هذا الميل الطبيعي إلى فخ.
نظريات المؤامرة تغذي الإحساس بالسيطرة. عندما يصدق شخص أن معظم الجهات تخفي “الحقيقة” أو أن الإعلام العالمي كله متواطئ، فهو يشعر أنه يعرف أكثر من الآخرين، أنه لا ينخدع بسهولة، أنه يمتلك الحقيقة التي يجهلها الأغلبية. إنها راحة نفسية، بل إنها تمنح هوية: “أنا لست من القطيع”.
لكن المشكلة أن هذه النظريات تزداد تطرفًا. من يصدق إحداها يفتح الباب لتصديق المزيد. يبدأ الأمر بالشك في الإعلام، ثم بالاعتقاد أن الأطباء متآمرون، ثم أن الأرض ليست كروية، حتى يصل إلى رفض كل شيء لا يتفق مع قناعته.
المفارقة أن نظريات المؤامرة، التي تزعم كشف التلاعب، هي نفسها شكل من أشكال التلاعب، تمنح شعورًا زائفًا بالذكاء بينما تسلب القدرة على رؤية الواقع.
أخيراً، لا يعني هذا أن كل نظرات المؤامرة خاطئة، بل بالعكس، أصدق الحقائق ستجدها في باطن بعض نظريات المؤامرة، البشر لن يتوقفوا عن التآمر، وهناك الكثير مما يحاول أصحاب المال والنفوذ حول العالم تحقيقه لكن لا يمكن التصريح به، لذلك يحاولون في الخفاء، ويكذبون على الناس، هنا تتحول الحقيقة إلى ضالةٍ يجب أن نطاردها، نربط بين القرائن، نتتبع أطراف خيوط الحقائق، نستنبط، نستنتج، لأن الدليل القاطع لا يمكن أن يوجد في مثل هذه الحالات، وقد أثبت التاريخ كثيرا صحة بعض نظريات المؤامرة، في فضيحة ووترغيت كانت البداية مجرد شكوك حول عمليات تجسس غير قانونية، لكنها تحولت إلى واحدة من أكبر الفضائح السياسية التي أطاحت بالرئيس نيكسون. أزمة 2008 المالية كانت خير مثال على تلاعب كبار المصرفيين بالأسواق وتقديمهم معلومات مضللة حول استقرار النظام المالي، بينما كانوا في الخفاء يراكمون الأرباح ويحمون مصالحهم على حساب الاقتصاد العالمي، وهو ما كان يُنظر إليه كمجرد “تكهنات غير مثبتة” قبل وقوع الانهيار الفعلي، والذي كان كارثياً بمعنى الكلمة، وأثر على معظم العالم بشكلٍ ما.
في النهاية، بين الشك واليقين، يبقى التفكير النقدي هو الحصن الوحيد ضد الوهم والخداع.