أكره الانتظار مثل كثير من الناس، وليس ذلك فقط لأن الوقت يضيع؛ لكن لأن وقت الانتظار كأنه برزخ، مرحلة انتقالية بين حالتين، تذبذبٌ لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء.
والانتظار ضار. دراسات نفسية كثيرة بيّنت آثاره، التي تراوحت بين ضيق بسيط إلى قرحة معدية، بل حتى أمراض القلب (لمن يكره الانتظار جداً جداً!). الغربي يكره الانتظار؛ لأنه بدلاً من استغلال الوقت في شيء مغذٍّ روحياً كالذّكر، فهو يشعر أن مورداً مادياً يتبخر أمام عينيه، فعند الغربي خاصة الأميركي مبدأ “الوقت من مال”؛ أي إن كل دقيقة لا تقضيها في جمع المال ضائعة، وذكرني هذا بمقولة حكيمة: إن امرأً ذهبت ساعة من عمره في غير ما خُلق له لحريٌّ أن تطول عليها حسرته إلى يوم القيامة (لك أن تتجاهل المفارقة أن القائل هو الحجّاج الذي حاول استغلال كل دقيقة في القتل!).
لكن ليس الغرب فقط، بل حتى عدوهم اللدود الاتحاد السوفيتي أصيب بأضرار من ذلك، وقدّر بعض العلماء الساعات التي أضاعها السوفيتيون في الانتظار بأنها 30 مليار ساعة سنويا، وهذا فقط انتظار وقت التسوق؛ حيث الطوابير الطويلة في الأسواق المتواضعة. في موسكو وحدها قضى الناس 20 مليون ساعة ينتظرون دورهم في المصالح الحكومية ليدفعوا فواتير الإيجار والخدمات. من فرط هذه الأكوام من الساعات الضائعة هناك احتمال أنها من الأمراض الداخلية التي فككت الاتحاد. ونرجع إلى الغرب، ولدراسة عام 1988م وجدت أن الأميركي يقضي ما مجموعه خمس سنوات ينتظر في الطابور، وستة أشهر عند الإشارة، وسنتين يحاول الرد على مكالمات فائتة.
الانتظار ليس شعوراً طيباً، وأغبط من يعرف التعامل معه ببرود، وكما قال الكاتب أليكساندر روز: “نصف معاناة العيش الانتظار”.