خالد بن الوليد أعظم قائد عسكري في تاريخنا وربما في التاريخ بأكمله، الحروب التي خاضها والمعارك التي قادها أسطورية، ولو قرأت بالتفصيل عن إنجازاته الهائلة في فارس والشام لسقط فكك مدهوشاً، فله صنائع عظيمة لا يعرفها الكثير من الناس، معارك وغزوات وشدائد ليست تُذكر عند أغلب الناس ولا يعرفها إلا المؤرخون، وترى التسلسل العجيب في فتوحاته، وعبقرية تخطيطه، وبراعة تفكيره، وطبعاً شجاعته وقوته التي تحولت إلى أساطير يتناقلها المسلمون بانبهار.
لكن الشيء الذي لا يعرفه الناس أن خالد -رضي الله عنه- أسلم وعمره 47 سنة، وتلك الإنجازات المدهشة حصلت في الخمسينات من عمره! يسمع الناس بأعماله المبهرة فيظنون أنه كان في العشرينات أو الثلاثينات، لكن هذا ابن الخمسين يقتحم المعارك ويضرب بسيفه ويركض ويركب وهو في عمر يعتقد البعض أنه وقت انحسار وضعف، فإذا بأعظم إنجازات عسكرية في التاريخ تحصل في هذا العمر!
العالم النفسي “فريتز بيرلس” كان ضائعاً محتاراً وهو في الثلاثينات من عمره، وبدأ استكشاف الذات والعقل في عمر 53، وفقط في الستينات من عمره ثار على مجتمع علم النفس الذي أحاطه بقيوده التي لم يقتنع بها، ولكنه كان قد أذعن لها خوفاً من مواجهة التيار، وأنشأ نوعاً من طب النفس يسمى Gestalt therapy، وأثار فضولاً وإعجاباً وبغضاً وتفكيراً وتحليلاً كثيراً.
الرسل بدأت رسالاتهم في الأربعينات من أعمارهم، وواجهوا أشد التحديات في الخمسينات والستينات وأكثر، بعض الناس قد يتعذر بعمره ويترك مواجهة المشكلات بينما نفسه وعقله فيه قوة واستعداد أعظم بكثير مما يعتقد، لكنها كالنبوءة المحققة لذاتها: يرى نفسه ضعيفاً فيصبح ضعيفاً، ولو أنه ترك العنان لها لتفاجأ أن العمر أحياناً ليس له أدنى معنى عند من يمتلك العزيمة والإيمان بالذات وقدرتها على الإنجاز ومواجهة كبائر الأمور.
هل أنت ممن تعلّق بتلك الأرقام العمرية؟ احذر أن تفسد حياتك بأن تعطيها قيمة أعلى بكثير مما تستحق، وأعجبتني مقولة إنجليزية تقول: الحياة تبدأ في الأربعين. المقصود أن الشخص إذا وصل للأربعين صار أقدر أن يستمتع بالحياة وأن ينجز بعد أن اكتسب النضج والعقل.
لا يفوت الوقت، فحسب هذا التعريف يمكن أن تبدأ الحياة في الخمسين والستين والسبعين. أنجز، استمتع، تعلّم، اهنأ، ربما عمرك الآن سيكون أجمل مرحلة!