النقطة السوداء في الجدار الأبيض

جدار ناصع لامع، لا تشوبه شائبة، إلا نقطة صغيرة لا تكاد تُرى.

تحدّق فيها بتركيز، تضيق عيناك وأنت تتأملها. ما شأنها؟ لماذا أتت هنا؟ كان لها أن توجد في أي مكان، في جدارٍ أسود، لكنها أصرت أن تنقض صفاء جدار النقاء.

هل تعاتبها؟ ربما، فالإنسان كمالي، يحب الاتساق ويتضايق من التنافر والتناقض، حتى في الشر، فعندما تسمع عن شرير مثل ستالين فإن عقلك يحاول أن لا يقر أن ربما فيه خير، حتى ولو رأيتَ صورته وهو يداعب حفيدته، لأن العقل في كماليته غير الواقعية يحاول أن يجعل كل شيء خير أو شر، أبيض أو أسود، حتى هذا الجدار!

ربة البيت التي تفرك وتدعك وتنظف سيجن جنونها لو لم تستطع أن تزيل بقعة داكنة من أريكة أو سجادة. ستستنفر كل قواتها وقدراتها، لن يهدأ لها بال إلا إذا زالت تلك العدوة العنيدة. لماذا؟ إنها مجرد نقطة لا تكاد تُرى من بعيد، هي أٌقل من 1% من المساحة، لكنها لرائيها قد تطغى على ال99%!

في إحدى حلقات مسلسل Breaking Bad يرى “والتر وايت” ذبابا في معمله المعزول المعقَّم، فيحاول قتله، وكل الحلقة (45 دقيقة) عن هذا الهوس التام بذبابة ضئيلة خشي أن تلوث المعمل الضخم.

على ورقتي البيضاء قطرة قهوة، ولا بأس بذلك، رغم أنها قللت نسبة البياض، لكنها تحكي شيئا سعيدا وهو كوب من مشروب يعشقه أكثر أهل الأرض، حتى لو جعّدت القطرة الموضع التي سقطت فيه، لكن هناك قصة محزنة، وهي في أول فيلم Seven  (1995م)، وذلك في البداية عند ظهور اسم طاقم الفيلم، وتتخلله مقاطع عشوائية، منها ورقة عليها لطخة رطوبة، وهي رسالة أخيرة كتبها شاب انتحر بعدها، وتلك القطرة من دموعه وهو يكتب، نقطة لطّخت البياض بسوادٍ معنويٍ فظيع.

هناك مبدأ اسمه غَلَبَة السلبية، فلو أن 9 أشخاص مدحوك ثم أتى العاشر فانتقدك فستفكر في كلامه هو وتنسى التسعة! نقطة سلبية تغلبا بحراً من الإيجابيات.

أضمن أنك ستمر بهذا كثيرا، سترى نقطة شذّت عمّا حولها، وسيكون انتباهك كله عليها، ولا عجب، فلا تنقضي غرائب تفكيرك أيها الإنسان.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *