المدير التفصيلي.. عاشق المراقبة

أتت مقولة حكيمة في المسلسل الفكاهي Beavis and Butthead، وهو عن مراهقَين أحمقَين، فقد تطوعا لمهمة عند جارهما المسن السيد أندرسون، وقبل أن يتركهما يبدآن العمل قال: إنني لا أقول للمرء كيف ينجز عمله، بل أقول له ما هي المهمة وأتركه يفاجئني بإبداعه.

عبارة حكيمة ومتضادة مع أسلوب إداري وتربوي خاطئ يُسمى micro management أو الإدارة التفصيلية، فيدير الشخص كل شيء إلى أدنى وأصغر تفصيل، يُشرِف بشكل رقابي مبالغ فيه على الجسيم والدقيق من الأمور، أسلوب يطبقه بعض المديرين والآباء، يظن أنه يقوم بمسؤوليته بنزاهة وإتقان وهو يراقب كالصقر كل جليلة وضئيلة في عمل الموظف أو الابن ولكن الحاصل هو أنه ينزع الثقة منه.

تخيل أنك مدير ولديك موظف مهمته الأرشفة، يبدأ العمل فتذهب له باستمرار وتعطيه ملحوظات كيف ينفذ العمل، مثل: «لا تفعلها هكذا، بل هكذا»، و«ضع هذا هنا ثم هذا يمينه»، و«اجعل الأوراق متطابقة وتأكد أن الألوان لا تتعارض»، و«قِس طول هذا الرف وتأكد أن الأوراق مطابقة لحجمه»، وهلم جرا. سيضجر الشخص من مراقبتك وستقل ثقته بنفسه، والسؤال الذي يفرض نفسه هو: إذا كانت هذه وظيفته فلماذا لا تتركه يمارسها؟ ما الهدف من وجوده في المنظمة إذن إذا كنتَ ستلاحظ وتراقب كل شيء يفعله وتعطيه نصائح لا تتوقف؟ المدير التفصيلي يظن أن أسلوبه هذا هو إخلاص في العمل لكن الحقيقة أنه يضر العمل!

مثل ما قال السيد أندرسون، الأفضل أن تتركه ينفذ العمل حسب معرفته بما أن هذا الهدف من وجوده أصلا، وتعطيه ملحوظات عمومية قليلة دبلوماسية متباعدة إذا كان لها حاجة فعلا، ملحوظات لا تدخل في تفاصيل تنفيذ العمل بل فقط في شكله النهائي، فبدلا من «تأكد أن طول الملف 30 سم واستخدم مسطرة ولا تترك أي بقع أو آثار ويجب أن تضع فئة أ مع فئة ب وذلك بأن تنظر للسطر الأخير في الورقة»… إلخ، بدلا من هذا فالأفضل عبارة واحدة عمومية مثل: «ماثل الأطوال، وتأكد من نظافة المكان، واجعل الفئات متطابقة». عبارة واضحة تقال مرة واحدة وتكفي في العادة.

لا تُدِر بتفصيل، فتسلبه ثقته، وتضيع وقتك، وتفسد العمل!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *