سينسناتوس، ومِحَكّ المبادئ

في القرن الخامس قبل الميلاد اندلعت اضطرابات سياسية شديدة في روما، وبدا للجميع أن الجمهورية الرومانية مقبلة على كارثة عظمى لو لم تُحَل هذه الأزمة، فاتجهت مجموعة من السياسيين إلى رجل كبير السن يحرث أرضه، فالتفتَ وسألهم: هل الأمور بخير؟

من هذا الرجل؟ ولماذا ذهبوا إليه؟

إنه سينسناتوس، أحد الساسة الرومان، وقد ترك السياسة ليتقاعد ويعمل في أرضه الصغيرة. رأى علامات القلق على وجوههم واتضح أن الأمور ليست بخير، وناشدوه أن يأتي معهم فوافق، فنادى زوجته وطلب منها لباس التوغا الروماني المعروف، ومضى معهم، فقطعوا نهر التيبر (في إيطاليا اليوم) ووصلوا إلى حشد من قادة الدولة اجتمعوا على رأي واحد: سينسناتوس سيكون زعيم الدولة لينقذها من تشتتها!

سمع سينسناتوس كلامهم وفكر فيه، ثم نادى أنه قد وافق على هذا التكليف، وشرع يعمل بحزم ليخمد القلاقل، فأصدر الأوامر وقاد الجيوش وخاض المعارك وسنَّ القوانين، وبعد أقل من شهر من حُكمه المحنّك سكنت البلاد وزالت الفتن، فماذا فعل بعدها؟

من يتابع التاريخ سيظن أنه أطبق على الحُكم بأضراسه، لكنه ببساطة فض جيشه وودع الناس ثم عاد إلى مزرعته الصغيرة المحبوبة.

قصة عجيبة صنعت من سينسناتوس أسطورة تاريخية ما تزال تُتناقل، وقد سُميت مدينة سينسناتي الأميركية عليه، وهنا يجري في العقل تساؤل: ماذا لو كُنا مكانه؟

الكثير سيقول: «لا طبعاً، سأؤدي المهمة ثم أترك كُرسي الحُكم لو كان هذا ما يريدونه»، لكن أشك في ذلك! مثل هذه المواقف هي المحكات والاختبارات للمعدن، فالشخص العادي يقول: «لو كنت مليونيراً لتبرعت وبنيت وأعطيت و، و، و..»، لكنه في الحقيقة لن يعرف إلا إذا اختُبر، فالكلام سهل، ورأينا الكثيرين ممن نزل عليهم المال بوفرة وصاروا في مصاف الأثرياء، ربما بعضهم ممن قال مثل ذاك الكلام، لكن لما اغتنى أبى أن يعطي، وشحَّ بماله ونسي وعوده.

ماذا عنك؟ ماذا ستفعل في مواقف كهذه؟

لا ندري، بل حتى أنت لا تدري!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *