أين اختفى العشق؟

في أحد المحلات التي يكتب الناس فيها رسائل قصيرة ويعلقونها على الجدار، رأيت عبارة جعلتني أفكر، وهي رسالة كتبتها امرأة، تقول: «الحب الحقيقي غير موجود».

في الماضي كان العشق جزءا بارزا من التراث الأدبي العربي، تراه في الأشعار وكتب التاريخ والفتاوى والقصص، قد استحث الرجال على الفن والأدب كنوع من التنفيس عمّا يغلي في أجوافهم من ألم وكرب، وتجد الأعاجيب من قصص التضحية في سبيل المحبوبة، منهم رجال ألقوا أنفسهم في المهالك من أجلهن، أو عنترة الذي يصارع الموت في معارك ضارية فتذكّره السيوف بابتسامة عبلة.

لكن أين العشق وقصصه اليوم؟ لا تكاد تجد له أثرا!

لماذا؟ طبيعة الحياة المعاصرة تختلف عن السابق، هذا معروف، لكن من أي وجه؟ أحد الأوجه هو التشبع، ففي الماضي كان الشاب محروما حتى من رؤية الفتاة مما جعله شديد الحرص أن ينالها بالزواج.. إلخ، أما اليوم فيستطيع أن يراها والآلاف غيرها في كل مكان بسبب التقنية الحديثة كالإنترنت، وحسب مبدأ الشح كما ذكره كتاب Influence فإن الناس أحرص على ما هو شحيح وأزهد فيما هو وافر شائع.

سبب آخر هو رخاء الحياة المعاصرة وكثرة الأشياء الجميلة، بينما في الماضي عاش العرب في الصحارى المقفرة، وإذا التفت الرجل يمينا رأى الرمل العقيم، ويسارا الإبل والنوق، أمامه الحشائش الجافة وخلفه الصخور الصلبة، مكان مجدب ليس من الماء فقط بل من الجمال، ثم يلتفت فيرى الأنثى، ونترك الشرح للكاتب الروماني الراحل “فيرجل جورجيو” فيقول عن العربي القديم ونظرته للمرأة: «إن للمرأة أهمية للرجل العربي لا يعدلها أي شيء في العالم. إنها الخط الناعم الوحيد في الصحراء، كأنها شجر الفاكهة في حديقة، تلك تقاطيع مظهرها، أما في الصحراء فإن المرأة تحلّ مكان الحديقة، ومكان الأزهار، وهي الفاكهة الفواحة، النهر الأزرق الممتد، هي النبع الجاري والعين الفوارة، بل إن المرأة في الصحراء هي جمال الكون كله، قد اختُصِرت كل هذه الروعة في جسم واحد».

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *