لما اضطهد المشركون المسلمين فر المسلمون بدينهم إلى الحبشة أولاً ثم إلى المدينة، وبعد عدة سنين زاد عدد المسلمين ولم يعودوا طائفة ضعيفة صغيرة، ورأى الرسول عليه الصلاة والسلام في المنام أنه يدخل مكة فسرّه ذلك وتجهز المسلمون لزيارة بيت الله الحرام، فخرجوا بلا سلاح ناوين فقط عمرة سلمية، فصدتهم قريش ومنعتهم بقوة السلاح من دخولها، وحينها عقد الرسول معم صلح الحديبية، وهذا ما آلم المسلمين بشدة، لأنهم عادوا بدون أن يعتمروا ولأن قريش ظاهرياً انتصرت وردتهم بشكل يبدو مهيناً، ولم يصبر عمر فسأل الرسول: لمَ نعطي الدنية في ديننا؟ هكذا كان شعور المسلمين.
لكن العجيب أن سورة من سور القرآن نزلت والمسلمون راجعون بحزنهم، وهي الفتح. اعتقد المسلمون أن الصلح فيه إيلام وإذلال ولكن القرآن فاجأهم لما وصف هذا الصلح بأنه فتْح! هكذا تبدأ السورة: إنا فتحنا لك فتحاً مبيناً. وهذا ما أدهش المسلمين، حتى إن عمر عاود الرسول وسأله: أفتح هو؟ وأجاب الرسول بالإيجاب، فطابت الأنفس أكثر من قبل.
في هذه الهدنة التي استمرت 10 سنين أسلم الكثير من أهل مكة وذهبوا لمبايعة الرسول، ومنهم.. خالد بن الوليد.
لم يتخيل المسلمون شيئاً كهذا، وخالد الأعجوبة قاد المسلمين إلى انتصارات عجيبة ضد إمبراطورية فارس الساسانية وإمبراطورية البيزنط اليونانية، عشرات المعارك المهولة في ضراوتها مع أعظم إمبراطوريتين، وقبل ذلك قاد جيش المسلمين ضد البيزنطيين في معركة مؤتة بعد استشهاد 3 قادة قبله، وجر المسلمين للأمان بحنكته وشجاعته، حتى أعطاه الرسول لقبه الشهير فقال: خالد بن الوليد سيف من سيوف الله سله الله على الكفار والمنافقين.
إنه شيء يبعث على الكثير من التأمل، صلح يبدو إذلالاً ومهانةً ولكن فيه سلّ الله سيفاً أسقط أعظم إمبراطوريتين، أقوى من قريش آلاف المرات.
هل حصلت لك مواقف كهذه؟ بعض ما يبدو شراً يحمل الخير الذي لبس لباس البؤس والمهانة والسوء، لكن النظرة البشرية القاصرة تراه كذلك، بينما هو فعلاً خير في دثار غيره.