عندما تريد أن تشتري سلعة ومعيارك الأول الجودة فإنك ستتجنب أي شيء كتب عليه: صُنع في الصين. لأن هذه الصناعة عُرِفت برداءتها.
التجارة الصينية لا تهتم كثيراً بهذه السمعة فيما يخص السلع الاستهلاكية التي لا يهم فيها الجودة مثل الألعاب والإكسسوارات، فهذه لا يهتم الناس فيها عادة إلا بالسعر الرخيص، لكن بسبب أن المخ البشري يدفع الإنسان دفعاً نحو التعميم فهذه تصبح مشكلة، عندما تحاول شركة صينية أن تبيع منتجاً يبحث الناس فيه عن الجودة، وربما تصبح الصناعة الصينية من أفضلها وأجودها لكن ستحتاج فترة طويلة لتغيير آراء الناس، وعندما تقرأ «صُنِع في ألمانيا» ستجد أنك تشتري السلعة بثقة، لأن الصناعة الألمانية رسّخت في العقول سمعة الجودة والإتقان والمعايير شديدة الصرامة، رغم أنه حتى هنا لا يصح التعميم، فالسيارات الألمانية مثلاً بعضها يتعطل أسرع من غيره، لكن الكثير لا يبالون، لأن السمعة استقرت. لكن المشكلة هي عندما تستقر التعميمات في النفوس فيصعب التخلص من بقاياها، فالبعض ممن حاورتُهم ما يزال يعتقد أن «صُنع في كوريا» تجعله يتردد لأن الصناعة الكورية في الماضي لم تُعرَف بالجودة العالية، رغم أنها الآن من أكثر الصناعات جودةً وتطوراً، لكن غبار الماضي يلتصق بشراسة! الصناعة اليابانية التي يُشار إليها بالبنان كانت قبل عدة عقود مثار سخرية بسبب رداءتها، واحتاجت عشرات السنين لتُغيّر هذه النظرة.
هذه الخصلة وجدها العلماء في دراساتهم، واكتشفوا أن المخ من طبيعته أن يعمم، شيء مبرمج فيه، لن تستطيع الفكاك منه إلا بالوعي والمحاولة الجاهدة، ولهذا تنتشر تعميمات كثيرة عن كل البشر، فكل شعب يعمم على بقية الدول، فالأمريكي يرى أن الفرنسي متغطرس والفرنسي يرى الأمريكي سوقياً، والبريطاني يرى أن الألماني متزمّت وخالٍ من الدعابة والمرح (وهي نظرة الألماني للسويسري!)، وأفريقيا يراها الكثيرون مجرد كتلة متجانسة متشابهة ولكن فيه أعراق وألوان وأديان بالغة الاختلاف، والعرب ينالهم الكثير من التعميم وما يزال الكثيرون يعتقدون أن الرياض وغيرها كلها خيام وأهلها يركبون الجمال، وأن الدول العربية صحارى حتى التي تخلو من الصحارى الفعلية مثل لبنان.
مقاومة تعميم العقل البشري عملية صعبة!