كَتَبَ يسأل محبطا خائفا: “كيف نجمع بين عدل الله وبين المثل الذي يقول دقة بدقة ولو زدت زاد السقا؟”.
مثل هذه الأسئلة قد تضحكك لكنها تستحق التعاطف بل الأسى، الأسى أن الأمثال العامية صارت تُعارض آيات القرآن والأحاديث الشريفة، هذا المثل يعني غالبا أن ما يقترفه المرء من سوء فسيراه في أهله، وقد شاع حتى صار حكمة بل قانونا كونيا عند الكثير، رغم أنه يتعارض صراحة مع قول الله في سورة الأنعام: “وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى”. وقد ذهب أبو رمثة رضي الله عنه – أحد الصحابة – مع أبيه إلى الرسول عليه الصلاة والسلام، وبعد حوارٍ بينهم قال الرسول له: “أما إنَّهُ لا يَجني عليكَ ولا تَجني عليهِ”، وقرأَ الآية المذكورة. ويقصد أن كل نفس مرهونة بما كسبت، ولا يحمل الإنسان ذنب غيره، و كلمته لأبي رمثة “لا يجني عليك” أي لو أن الأب جنى جناية فلن تحملها أنت، وأنت لو أجرمت جرما فهو عليك وليس على الأب (وهذا طبعا غير من ينشر البدع والقبائح عمدا والتي سيحمل أوزارها)، ويظل الكثيرون يرددون هذا المَثَل الباطل “دقة بدقة” رغم النصوص المقدسة التي تُبطلِه!
ومن الأمثال الخاطئة الأخرى قولهم: اتّقِ شر من أحسنت إليه، هذه عبارة سلبية غير قائمة على أي بيانات إحصائية حقيقية، بل تحصل مواقف قليلة كهذه ثم يعمّمها عقلٌ متشائم، وأعتقد أن أكثر الناس تجاربهم الشخصية تُظهِر عكس ذلك، فالذين تُحسِن إليهم عادة يشعرون بالعرفان تجاهك، ولو حصلت مواقف نادرة من نفوسٍ غير سوية تسيء إلى من يحسن إليها فهي تظل نادرة، ولكن البعض ينظر للحياة بمنظارٍ أسود، فلو حصل له 99 موقفا طيبا لتجاهله، ثم يحصل موقف سلبي فيغضب ويسخط ويصف الجنس البشري كله بالغدر والخبث!
تستغرب انجراف الناس وراء مقولات خاطئة شعبية حتى لو تعارضت مع نصوص الدين، ومع ما يرونه واقعا أمامهم!