ظفر الشاب بمُنيته، فقد كان لعدة أشهر يحاول أن ينال ودها، ونجح، وتزوج هذه الجميلة التي أحبته من خالص قلبها، وما أعظم فرحة هذا الفتى الأميركي الذي عانى من الوحدة وتمنى امرأة تشاركه حياته، عاشا بوئام، وولدت له طفلة شغفته حبا وضاعفت سعادة البيت، وجد وظيفة ممتازة مما أراح زوجته من أن تطارد الوظائف، ولما صار عمر طفلته سنتين رُزق بابن، اكتملت حياته، صار قبل أن يذهب إلى عمله كل صباح يدخل غرفة الأطفال ويتأمل الطفلين الرائعين ويستحضر النعمة التي يعيشها.
في أحد الأيام كان في غرفة المعيشة جالساً ولاحظ شيئاً: اللمبة على المنضدة غريبة المنظور، كأن الأبعاد الثلاثة صارت مقلوبة، ظل يحدق باستغراب، ساعات وهو يتأمل، حتى إنه لم يذهب للعمل صباح اليوم التالي، ذهل عن إفطاره وأخذ يطيل النظر وهو مشدوه، وبعد 3 أيام من ذلك قلقت زوجته، أتت بأحد معارفها ليتكلم معه ويسمع منه، لم ينفع هذا، شعر أن عقله وصل لتشتت بالغ، أخذت الزوجة الطفلين وذهبت لبيت أهلها، وذلك قبل أن يصل الشاب إلى لحظة الإدراك الكبرى: اللمبة غير حقيقية، البيت ليس حقيقة، الزوجة، الطفلان، لا شيء حقيقي، العشر سنوات الأخيرة وهمٌ كامل.
تضخمت اللمبة، يسمع أصواتا غريبة، صرخات، بدأ يعي أنه يشعر بألم بالغ، أول ما قاله: «أفتقد بعض أسناني»، فتح عينيه، إنه ملقى على الرصيف محاط بأناس لا يعرفهم، احتار، ما الذي يجري؟ حمله شرطي وأخذه للإسعاف، أشعة، فحوص، شيئا فشيئا عادت له ذاكرته وعرف ما حصل.
لقد كان مغمى عليه، تشاجر مع رجل ضخم لكمه وأفقده الوعي وضرب رأسه الرصيف الصلب، عاش الشاب تلك السنين العشر في تلك الغيبوبة الصغيرة التي لم تستمر إلا 15 دقيقة.
الحياة السعيدة، حلم حياته، عشرات الآلاف من الساعات التي قضاها مع العائلة وفي العمل، كل هذا حلم.
عانى من مرض الاكتئاب 3 سنوات بعدها، يرثي زوجته وطفليه، يبكي عائلته الرائعة التي انتُزِعت منه بقسوة، حزن غريب يمتزج بالحيرة والضياع، يألم لفقد أحباب لم يُخلقوا أصلا، لا يعرف أحدا يفهم وضعه، يبكي كل ليلة حتى ينام آملا أن يرى زوجته المعشوقة في الحلم، ولم يرها بعد تلك الليلة الشنيعة، الشيء الوحيد الذي رآه من بعيد في أحد أحلامه هو ابنه وهو في عمر الخامسة، كأنه يتكلم، لكن لا يسمع ما يقول.
استوقفتني هذه القصة الحقيقية، وليس لك إلا أن تألم لكربته الفريدة، لا أعرف حاله الآن، لكن أتمنى أنه نال ولو شيئاً من السعادة.