يكتب مارك غراهام في كتابه “هكذا صنع الإسلام العالم المعاصر” مشيداً بإنجازات المسلمين والتي غيّرت وجه العالم بأكمله اليوم، يتكلم عن محمد بن جابر البتاني، والذي لُقِّب “بطليموس العرب” إشارة إلى العالم اليوناني الشهير بطليموس، فيذكر أن كتابات البتاني عن حركة القمر والنجوم والكواكب بغاية الأهمية حتى أنها اقتبست بعده بستمائة سنة من قِبل كوبرنيكوس وغاليليو. الترجمة اللاتينية لكتاباته الأساسية كانت منهجاً دراسياً ضرورياً لعلماء الفلك الأوروبيين في عصر النهضة وأبحاثه عن الكسوف والخسوف استمرت تُدرَس حتى القرن الثامن عشر. وكالة الفضاء ناسا سمّت إحدى فوّهات القمر باسمه تكريماً له.
يذكُر محمد بن أحمد البيروني وعلومه، وقد حسب البيروني محيط الأرض بدقة مدهشة نسبة الخطأ فيها فقط 50 ميل، هذا في وقت كان الأوروبيون يعاقبون من يقول أن الأرض كروية، وتكلم البيروني عن دوران الأرض حول محورها قبل الأوروبيين وحسب جاذبية بعض المعادن بدقة شديدة.
وليست إسهامات المسلمين البيضاء فقط في مجال العلم بل حتى في السياسة والسلام العالمي، وقد عاشت أمم غير مسلمة بأمان بسبب انتصارات المسلمين، وهذا تحديداً في تلك الفترة الفريدة المخيفة في التاريخ البشري وهي اجتياح التتار، فلم يكتفوا بغزو بلاد الإسلام بل حتى أوروبا لم تسلم منهم، و نأتي الآن لكلام غراهام فيذكّر الغربيين أن انتصار المسلمين على التتار في معركة عين جالوت الفاصلة أنقذ أوروبا منهم، فلولا هذه المعركة لما انتهت العصور المظلمة ولما بدأ عصر النهضة. في عام 1257م أخمد التتار ثورة ليتوانية وبولندية أخرجت التتار مؤقتاً من منطقة فولهينيا في شرق أوروبا، وسحق شمال بولندا بوحشية، وأباد مدينة كراكاو تماماً، فاستنجد البابا ألكسندر الرابع ببقية النصارى لينقذوا بولندا ولم يستجب له أحد، وكفَّر البابا الكاونت بوهيموند لتحالفه مع التتار في الشام، ورأى النصارى –و كان لهم آنذاك مستعمرات صغيرة من مخلفات الحروب الصليبية- أن التتار سيدمرون الغرب لو انتصر التتار على المسلمين فسمحوا للمسلمين أن يمروا بلا أذى بل وباعوهم مؤونة وتركوهم يذهبون ليقاتلوا التتار في تلك المعركة التي غيرت وجه التاريخ.
يندر أن ترى إنصافا للمسلمين في الكتب الغربية، ويستحق مارك غراهام الشكر على نزاهته الفكرية.