أوقف أي شخص يمشي واسأله: هل تعرف نفسك؟ الكل سيقول بداهةً: نعم! بل سيضحك من السؤال، كل شخص يعرف نفسه، أليس كذلك؟
لكن معرفة النفس سؤال عميق في حقيقته، ليس أن تعرف أكلك المفضل أو وجهتك السياحية المرغوبة، إنه أن تنزل أعمق من هذا بكثير، تنزل في بئر أعماقك، في ظلام عقلك، كأنك يوسف الطفل وحيداً في البئر، في تلك اللحظات أعتقد بأن يوسف بدأ يعرف نفسه فعلاً، في الوحدة التامة المطولة، تلك اللحظات التي أتاه فيها أول إلهام إلهي بعد رؤياه، “وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُمْ بِأَمْرِهِمْ هذا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ”، وهذا موقف سيجعلك تعرف نفسك فعلاً، أي الخلوة والوحدة.
ما أطول فترة يمكن أن تقضيها لوحدك؟ كأغلب الناس لن تحب الانفراد لفترات طويلة، لذلك أتمنى أن أعرف ما الأفكار والمشاعر التي ستحوم في عقلك ونفسك عندما تنفرد بضعة أيام، لا أن تعزل نفسك بالضرورة كراهب في صومعة بل أن لا تكلم الناس عدة أيام، تقضي الساعات الطوال داخل عقلك، لا تحادث زميل العمل ولا تحادثين صديقتك ولا أي شخص إلا اضطراراً. هل تصمد؟ إنْ “نعم” فأهنئك على اجتياز أحد أصعب الامتحانات، وهذا الوقت الذي يجب أن تسجل فيه أفكارك على ورقة: بماذا شعرت؟ ما الأفكار التي دارت في عقلك؟ ربما حلَّ مخك معضلة تصارعت معها، وربما أكبر من ذلك، ربما اكتشفت بعض أسرار الكون والوجود.
هذه الأفكار لا يمكن أن تتجلى وأنت تشغل عقلك باستمرار بالكلام والانشغالات الفردية كالألعاب والسوشل ميديا، هي تعطل التفكير الحر واستكشاف الذات الذي لا يمكن أن يأتي إلا بالخلوة والوحدة.