ها هي تضع المكياج الجديد على وجهها وتشرح روعته لمتابعاتها.
وفي سناب آخر وقت العصر تراها تصول وتجول خلال المقهى الجديد، تطلب “فلات وايت” بديعاً وعليه “فن اللاتيه” على هيأة وزة جميلة ترافقها كعكة عسل شهية.
في سناب الليل تأخذ مكانها على منضدة مطعم ياباني فاخر وتصور لك السوشي الثمين ولحم واغيو وسالمون ماكي.
في اليوم التالي تتفاجئين أنها في جزيرة يونانية بديعة، تتجول وتصوّر المناظر الباهرة. وبعد عدة أيام ترجع لمدينتها لتستمر في حياتها الرائعة التي تحسدها عليها المتابعات وتلححن على أزواجهن أن يحاكوها.
الآن لنترك تلك الشهيرة الجميلة قليلاً ولنتفرج على منازلة قتالية في رياضة MMA لاثنين من مقاتلي الوزن الثقيل هما “فرانسيس نغانو” و”ديريك لويس”، حصلت عام 2018م، هذان الضخمان أُعطي كل منها قوة هائلة في يده، وإذا ضرب خصمه بلكمة واحدة يكفي هذا لإفقاده الوعي ولو كان عملاقاً، وتحمس الجميع لهذا النزال لأن كل من هذين لم يواجه أحداً من قبل يضرب بهذه القوة، وأيقن الكل أن المنازلة ستنتهي بلمح البصر. من فاز؟ الكاميروني المدمّر فرانسيس أو الأمريكي الساحق ديريك؟ شيء غريب، فقد ظل كل منهما متردداً من الهجوم لأنه يعرف قوة خصمه، وهكذا وقفا أمام بعضهما ثلاث جولات كل منها 5 دقائق، وفقط حاولا محاولات نادرة يائسة أن يضربا، غيرها فقد كانا كالتماثيل! المقاطع الترويجية المنتقاة تخدعك وتصور محاولات اللكمات اليائسة تلك وهي ربما 4 أو 5 لكمات ضربت الهواء، تراها فتعتقد أن الصراع كله هكذا، اثنان يحاولان أن يلكما بعضهما في نزالٍ حماسي تنافسي، مثل مقاطع ترويج الأفلام trailers التي تأخذ أفضل ما فيه وتحمّسك له ولو كان غالبه مملاً!
وهذه قصة حسناء السوشل ميديا وحياتها “الرائعة”، فقد استيقظت صباحاً، ربما مع وِحدتها التي تصارعها وربما مع زوجها الذي ينشغل عنها وتنشغل عنه، أجساد متقاربة وأرواح متباعدة، هو بالجوال أو ألعاب الفيديو أو الأصدقاء، وهي بالسوشل ميديا والصديقات والدعايات، تضارب الملل والفراغ معظم يومها، تتخيل حياتها لو أن سناب شات أوقف حسابها فجأة أو فقدت متابعيها، كيف ستكون حياتها؟ كابوس! تبعد الفكرة عن رأسها وتركض لآخر مقهى افتتح لتُشعر الجميع أنها تعيش حياة رائعة بينما لو عرفوا حياتها الحقيقية لرأوا أنها عادية أو مملة.
إنك لا ترى إلا مقاطع صغيرة منتقاة وخادعة، توهمك أن كل أيامهم هكذا، بينما هي لحظات بسيطة من اليوم، وأظن الكثير من الناس سيتفاجأ، رغم أن هذا طبيعي، فهكذا حياة البشر، لا يمكن أن تكون مثل الفيلم الشيق 24 ساعة في اليوم 7 أيام في الأسبوع، لكن ما أبرع السوشل ميديا في غرس هذا الوهم!