فيلم (Blue Lagoon) الجميل يحكي قصة رجل وامرأة ينشآن في جزيرة غير مأهولة، فتراهما يترعرعان منذ الطفولة على هذه الجنة الصغيرة ومائها الأزرق، ويكبران فيها ويستكشفان أنفسهما وبعضهما والعالم.
طالما أبهرني سيناريو كهذا، ماذا لو أنك نشأت في جزيرة استوائية؟ كيف ستتعامل مع العالم؟ كيف ستعرف المخاطر؟ هل الخوف من الأفاعي غريزي بحيث إنك ستتوجس من ذاك الجسم الطويل الناعم الذي يزحف ملتوياً؟ ماذا لو – مثل الفيلم – وجدتَ أن هناك فتاة وحيدة وليس لها غيرك أنيساً؟ هل غرائز البيولوجيا لها حدود معينة أم أنها كهذا البحر العرمرم الذي أمامك ولا يقيدها إلا تعليمات المجتمع ومحاذير الأديان؟
كلما نسيت مثل هذه التخيلات يأتي مصادفة شيء يحرك الجمرة تحت الرماد، قرأت عبارة عابرة في كتاب Pilgrim in Tinker Creek للكاتبة آني ديلارد، تقول: «أتساءل لو كنتَ أول إنسان على الأرض: متى ستدرك تتابع الفصول؟ كيف لو أنك عشت في زمن مفتوح لا يكسره ويوزعه إلا الأيام والليالي؟ سوف تقول: الآن برد، وسابقاً بردٌ كذلك. لكنك لن تقول: السنة الماضية في مثل هذا الوقت كان الجو بارداً أيضا، لأن مفهوم “سنة” ينقصك».
ظللت أفكر فيها، أحيَت تساؤلاتي القديمة، كيف عاش أول إنسان فعلاً؟ ماذا كان آدم يعرف أصلاً – إما من تعليم الله له أو من تجاربه مع الجنة التي عاش فيها – من علوم استطاع تطبيقها في الأرض؟ من تلميحات الطبيعة أن الكائنات ذات الألوان الزاهية المضيئة البراقة تعني عادة “خطر” كما تجدها على الضفدع الأزرق المتوهج في البرازيل أو الأفعى الخضراء في التبت، فهل عرف ذلك بالتجربة أم من عِلمٍ مُلهَم؟ كيف تعامل آدم وأبناؤه مع السباع؟ بعض المفسرين يعتقد أن آدم أُنزِل في الهند وهي من أراضي النمور، كأني أراه يحذر قابيل وهابيل من هذا السبع الكبير ويشدد على أمرٍ مهم: «لا تخرجا في الغابات إلا معاً وبسلاح، احمِ نفسك وأخاك».
هل عرف آدم كيف يشعل النار؟ تاريخ النار قديم مع البشر لكن لا ندري هل يعود لعهد آدم أم أتى بعده بكثير؟، وفي ورقة علمية نشرها 3 علماء (روبروكس، فيلا، ترينكاوس، 2011م) قالوا إن أهم اختراعين في تاريخ البشرية: الأدوات الحجرية، والسيطرة على النار. التحكم بالنار جعل البشر يطبخون لأول مرة، مما سمح بإضافات كثيرة للغذاء البشري، وجعل البشر ينجون من البرد القارس، وأخيراً سمحت بالزراعة والتي صنعت حقبة جديدة.
هل عرف الزراعة؟ هل عرف أنه يستطيع أن يقفز في الماء ويسبح أم بدا البحر عظيماً مخيفاً؟ هل سافر ليستكشف الأرض ويرى إن كان هناك بشر أو كائنات أخرى؟ قد يكون وصل هو وأهله إلى جزيرة العرب مشياً، وآثار أقدامهم الكبيرة موجودة في مكانٍ نمر به كل يوم ولا ندري!
ترى الماضي كل يوم، النجوم التي نراها في السماء أضاءت منذ عشرات آلاف السنين، والآن فقط يصلنا نورها، ليت هناك مثل ذلك، شيء يعكس كالمرآة قدوم البشر، مقطع مرئي ولو من بعيد نرى فيه كيف عاش أول إنسان على ظهر الأرض.