“أنا الموت…”

«نَــجَــحَــتْ!»

هتف بها روبرت أوبنهايمر في يوليو 1945م لما رأى نجاح تجربة ترينيتي في صحراء ولاية نيومكسيكو، أول تفجير نووي أميركي. لم يعرف العلماء الذين عملوا بجهدٍ دؤوب إذا ما كانت القنبلة ستنفجر بالشكل المتوقع.

إنه سعيد. أثمرت جهودهم. دخلت أميركا الحرب العالمية الثانية. ما هي إلا أيام حتى ضربت القنبلة اليابان، ورأى الناس أبشع سلاح صنعه البشر: موجة نارية كهرومغناطيسية أنزلت عالماً من العذاب على أهل هيروشيما. منازل تختفي في لحظة. أجساد تتفحم في لمحة. دمار شامل على نطاق واسع. الناجون تمنوا أن القنبلة قتلتهم لفظاعة الإشعاع النووي الذي أماتهم ببطء. سقطت أخرى على ناغازاكي وصنعت مأساة مشابهة. استسلمت اليابان، ظفرت أميركا، بدأ العصر النووي.

لكن لم يكن كل العلماء سعداء. لما انتهت الحرب فكّروا ورأوا أنهم قد صنعوا شيئاً بشعاً. بعد أن زالت نشوة الانتصار تأملوا المعاناة التي سببوها لليابانيين، ورأوا بدْء السباق الدولي للتسلّح، وصنع الاتحاد السوفيتي القنبلة بعد ترينيتي بأربع سنين فقط. تسارعت وتيرة السباق، وصنع السوفيتيون أضخم تجربة نووية في التاريخ، «قيصر القنابل Tsar Bomba»، انفجار خرافي في منطقة معزولة، يسبب حروقاً شنيعة لمن يبعدون 100 كيلومتر عن مركز الانفجار. موجة الصدمة وصلت إلى 700 كم، نوافذ كُسِرَت على بعد 900 كم. وندم العلماء على شرٍّ عظيم صنعوه. تمنوا أنهم لم يدخلوا أي مشروع نووي، وأدركوا أن التاريخ سيلعنهم. أوبنهايمر له أبحاث قيّمة في الفيزياء والفلك، لكنها تلاشت أمام إرثه الأكبر.

بعد نهاية الحرب بعشرين سنة سُئل أوبنهايمر عن بحثه النووي، وقال إحدى أشهر عبارات العلماء في القرن الماضي، وهي المذكورة في العنوان، وتُلخِّص ديمومة وغَلَبة شرّ القنبلة النووية على إنجازاته الطيبة، والمقولة كما يلي (والتسجيل موجود باسم I am become death، ويبثّ القشعريرة بسبب صوته الهادئ المستسلم للواقع المهول).. عن تجربة ترينيتي، يقول أوبنهايمر:

«عَلِمنا أن العالَـم سيتغير للأبد. بعض الناس ضحك، بعضهم بكى، أكثرهم صَمَت. تذكرتُ عبارة من الكتب الهندوسية، عندما تحوّل الإله فيشنو إلى هيئته ذات الأذرع الكثيرة، ثم قال:

ها قد أصبحتُ أنا الموت.. مدمّر العالم».

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *