الحرب العالمية الأولى من أشنع الحروب الحديثة، بل قد تكون الأشنع، أسوأ من الحرب العالمية الثانية، ليس في عدد القتلى، بل في شدة وطأة الحرب على أهلها؛ بسبب التطور السريع في تقنيات القتل، وتخلف التقنيات الطبية بالمقارنة، وكذلك لبروز ظاهرة جديدة اسمها حرب الخنادق، وكانت شيئاً مهولاً، حفرة مليئة بالجثث والجرذان والموت لا تستطيع الخروج منها، تُبرز رأسك وتطلق النار على العدو محتمياً بأكياس الرمل، تظل هكذا ساعات، أحياناً 24 ساعة، وفي النهاية عدد ضخم من القتلى بلا أي تقدم من أي من الجانبين.
في أحد أيام هذه الملحمة، تحديداً في 25 ديسمبر 1914م، حصل شيء غريب في أرض معركة بين البريطانيين والألمانيين: سلام.
لوّح الطرفان برايات الهدنة، وخرج الجنود من خنادقهم ومخيماتهم، وسلموا بعضهم على بعض، فقد حل عيد الكريسمس، وقرر الطرفان إيقاف المعركة يوما واحدا، بل صاروا أصدقاء! تسامروا، تضاحكوا، غنوا معاً، تبادلوا الطعام والشراب والسجائر، وفي أثنائها التفت الطرفان لجندي اسكتلندي خرج من المخيم البريطاني ورأوا معه كرة قدم، فصاحوا جذلاً، وانطلق الطرفان يلعبان مباراة كرة قدم حماسية، ورغم عدم وجود حكم إلا أنهما التزما بقوانين اللعبة بانضباط.
قال ضابط بريطاني كتب عن هذا اليوم في مذكراته: «إنه أعجب كريسمس مر علي قط، ولن يمر علي أعجب منه أبداً». لما أظلم اليوم واستعد للرحيل ودّع الطرفان بعضهم بعضا، وما هي إلا ساعات حتى خرجا بعد ذاك الود والوئام يتقاتلان بشراسة عنيفة، تاركين لنا هذه القصة الفريدة.