جلس جيري ساينفلد وصديقه جورج كوستانزا على الأريكة في مكتب مسؤول كبير لمحطة تلفازية ليقنعاه بإنتاج مسلسل جديد من تأليفهما، ولما سألهما عن موضوعه رد جورج: “لا شيء!”، واستغرب المسؤول: كيف ندعم مسلسلاً عن لا شيء؟ يريد معرفة موضوع المسلسل وجوهره، لكنه فوجئ مرة أخرى برد جورج: “المسلسل عن لا شيء!”، ولم تنتهِ المقابلة لصالحهما طبعاً!
هذا مشهد من مسلسل ساينفلد الشهير، مسلسل ثوري من أفضل ما أنتجه التلفاز، وعبقرية البرنامج لها عدة وجوه، من أشهرها أنه لم يطرق موضوعاً معيناً، فمسلسل فريندز كان أساسه العلاقات بين أبطاله الستة (خلافات، حب، صداقة)، ومسلسل فريجر كان عن حياة الطبيب النفسي فريجر كرين وعائلته في سياتل، لكن ساينفلد صنع مواقف فكاهية لا حصر لها من أشياء صغيرة عشوائية، مواقف الحياة اليومية، فحلقة كاملة عن الانتظار الطويل في مطعم قبل الجلوس، أو عن محاولة صنع مسلسل فكاهي (مسلسل داخل مسلسل!)، أو بائع حساء متجبر، تبدو أشياء تافهة لكنها ذكية وبارعة. صنعوا من اللا شيء أفضل شيء!
الصفر مثالٌ آخر. مضى وقت طويل لم يفكر فيه أحد حتى أتى به المسلمون فصنع ثورة في الرياضيات، وحتى كلمة zero الإنجليزية ونظائر متعددة لها في لغات أخرى أصلها عربي، تأثراً بهذا الفتح العلمي.
هل تعرف ما يسمى بالتأمل؟ إنه في أصله ليس إلا أن تفرغ عقلك من الأفكار والتشتيتات، يكون ذهنك صافياً قدر استطاعتك، جربها 5 دقائق وستجد أنها بالغة الصعوبة! رغم أنك لا تحاول أن تفكر في مليون شيء بل لا شيء أو شيء واحد على الأقل كمشهدٍ طبيعي جميل، لكن ستجد أن عقلك يزدحم ويضطرب بشتى أفكار المستقبل والماضي والحاضر.
الكون يتوسع باستمرار، وداخل تلك الحدود كل شيء نعرفه، لكن ماذا خارج تلك الحدود الكونية التي تتوسع؟ كون آخر؟ بُعد آخر؟ مجرد التفكير في ذلك يضيع العقل، رغم أنه نظرياً يفترض أن هناك لا شيء، وكذلك قبل الانفجار الكبير الذي صنع هذا الكون، نظرياً لم يكن هناك شيء، ثم كان.
اللا شيء، أحياناً أعظم من أي شيء!