أمامي الآن صورة أخاذة، صورة من فيلم متحرك التقطته كاميرا اخترعها لويس لابرينس في أواخر القرن التاسع عشر، صوّر بها أقاربه في حديقة بيت في بريطانيا. اختفى لابرينس في ظروف غامضة، ولولا ذلك لنال شهرة وثراء؛ لأنه أول مخترع لكاميرا الفيديو، التي صور بها المشهد من الأعلى، شيء جعل أناسًا عاشوا قبل 130 سنة ماثلين أمامنا اليوم كأننا معهم.
الماضي كثيرًا ما يحمل أثر النسيان، نشعر بأنه شيء ولّى ومضى بلا رجعة، باب أُغلِق ولن يفتح أبدًا، لكن حتى لو كان ليس كالحاضر في شعورنا به إلا أنه سيظهر باستمرار. إنه يظهر في الصور القديمة التي نحِنُّ لأيامها إذا تصفحنا ألبوم الصور، وحتى أصغر التفاصيل نتذكرها.
الماضي يظهر عندما نكتشف آثار الديناصورات، وندرك ضآلة خلقنا عند بقية المخلوقات، وأن أممًا كاملة سبقتنا في هذا الكوكب.
يشرق الماضي عندما ترى النجوم، سواء الشمس التي يصلك نورها بعد ثماني دقائق من انطلاقه، فترى ماضيًا قريبًا أو نجوم الليل التي انطلق نورها منذ أزمان بعيدة، وبعضها انفجر ومات قبل دهور، فعندما ترى تلك الأبراج المضيئة، فإن الماضي ينظر إليك من مليون سنة مضت.
ماذا يحصل إذا شغّلت التلفاز ولا توجد أي محطة؟ تظهر لك تلك الشوشرة المعروفة، وأنصحك بأن تقف أمامها وتتأملها؛ لأنك تشاهد أعظم برنامج يمكن أن يظهر على التلفاز: بداية الكون! هذه الشوشرة هي خلفية الإشعاع الكوني، الذي نتج من الانفجار العظيم، الذي صنع الكون.. إنه لا يزال يعبئ الفضاء، إنه أقدم ماضٍ في تاريخ البشرية، أمامك.
نعم، الماضي سيستمر وسيظهر بطرق متعددة، ليس في هذه الدنيا فحسب، بل حتى يوم القيامة وبعدها! أهل الجنة يتسامرون ويسأل بعضهم بعضًا عن أحوال الدنيا، فإذا رأوا فاكهة مألوفة قالوا: “هذا الذي رُزِقنا من قبل”، ويقارنون بين أحوالهم وقتها وحالهم في الدنيا، وأهل النار يقولون: “وَقَالُوا مَا لَنَا لَا نَرَىٰ رِجَالًا كُنَّا نَعُدُّهُم مِّنَ الْأَشْرَارِ”، استغرابًا من عدم وجود أناس رأوا أنهم على الباطل.
لن يزول الماضي أبدًا، وسيظهر في حياتك وفي آخرتك بأوضح صورة. اصنعه بحذر!