كيف يتخذ مخك القرارات؟
هل تعتقد أنه يدرس الخيارات عقلانيًا، ويرجّح أفضلها بعد موازنة السلبيات والإيجابيات ثم يختار الأفضل؟
لا، ليس هذا ما يحدث، مهما ظننت أنك شخص منطقي وعقلاني، فإنك ستتفاجأ لو عرفت الآلية الفعلية التي يطبقها عقلك بلا شعور ليتخذ قرارات كثيرة، فليست كل القرارات نتخذها بوعي كما يفيد الكاتب لينارد ملادينو في كتابه Subliminal، ذلك أن أدمغتنا تتكون من عدة وحدات تعمل على التوازي وتفاعلاتها دقيقة ومعقدة وأكثرها تعمل خارج نطاق الوعي، لكن نحن نغتر بما يمليه لنا عقلنا الواعي، ونظن أننا مسؤولون عن القرار بشكل كامل، هيهات!
لنأخذ مثالًا على قرار تتخذه بلا شعور. أنت في مطعم ولديك قائمة طعام، فأي طبق ستختار؟ قد تقول حسب الصورة أو السعر، لكن الدراسات أظهرت أن اللغة المنمّقة في قوائم الطعام مثل “البطاطا المهروسة المخملية” و”الخيار المقرمش” (الخيار أصلًا مقرمش!) و”الشمندر المشوي ببطء على طبقة من الجرجير” تغري الناس أكثر مما لو لم توضع تلك الأوصاف، وليس هذا فقط، بل هي تحث الناس على الشعور بأن تلك الأطعمة ألذ من الطعام نفسه بدون تلك الأوصاف! إن وصف الطبق عامل مهم في مذاقه، لكن هل كنت تتخيل أن أهميته بهذه الدرجة؟ وأن عقلك تحصل فيه مثل هذه العمليات الغريبة وأنت لا تشعر؟
خذ مثالًا آخر، فغير الوصف فإن الشكل يهم. في التجارب فإن الناس الذين أُعطوا وصفة طعام بخطٍ صعب القراءة قالوا إن الوصفة نفسها أصعب، وإنهم قلت رغبتهم في تجربتها، وهذا ما سينطبق عليك وعلي أيضًا. يسمي أطباء النفس هذا تأثير البساطة: إذا كانت هيئة المعلومات صعبة الفهم، فإن هذا سيؤثر في نظرتنا لمحتوى المعلومات؛ هذا يعني لو أنك قرأت عبارة بسيطة، مثل حكمة “القناعة كنز لا يفنى”، وكانت بخط سيئ، فإنها ستكون أقل إقناعًا مما لو قرأتها بخط واضح، رغم أنها المعنى نفسه، ورغم أنها صحيحة وحكيمة!
لكن كما ترى فإن عقلك له الكلمة النهائية في كثير من قراراتك، سواءً علمت أم لم تعلم.