توفي أحد الرحالة الأمريكان في القطب الشمالي، ووافق أحد الإسكيمو العائش قريباً من هناك أن يرجع بالجثمان بطلب من عائلة المتوفَّى بمقابل، ولما انتهى من مهمته قرر التجول في أمريكا، لكنه لا يحكي الإنجليزية، ففي محطات القطار حفظ ثم كرر كلام من كان أمامه في الصف صوتاً بصوت، والنتيجة المتوقعة لهذه العشوائية أنه تبعثر حول البلد من مدينة إلى مدينة، حتى أفلس لما وصل لولاية أوهايو، وقضى بقية عمره في قرية صغيرة.
إنها نتيجة طبيعية للجمود، وعدم التجديد، نتيجة لمن يضرب جذوره في مكان ضيق ويصير هذا نطاق حياته، الروتين الاختياري يخنق الآفاق والفرص، إنه يحفر ثم يهيل على عقلك التراب ببطء حتى يدفن إبداعك. إنه ليس حكراً على كبار السن الذين ارتبطوا كثيراً بكراهية التغيير والثبات على روتين جامد، بل كل من يضيّق آفاقه طوعاً ويصر على أسلوب واحد لكل شيء، يمضي إلى نفس المصير، يقود السيارة على طريق واحد للعمل أو الأهل أو أي مكان، طريقة واحدة للتفكير، مبدأ واحد للتعامل مع المشكلات، الاكتفاء بما يعرف وعدم اكتساب أي علوم ولا مهارات ولا كفاءات.
التغيير منعش! كما أن أي قدر من الرياضة ولو مشياً لعدة دقائق وجد لها العلماء منافع بارزة، فإن أي تغيير ولو كان صغيراً ينشط ذهنك ويقوي ذكاءك، فالمخ يضعف كالجسد إذا جمد على مكان واحد ولم يواجه تحديات، الجري والحديد والجمباز والسباحة.. إلخ، تضع على الجسم ضغوطاً حميدة، فينهض الجسم ويقوي نفسه ليواجه تلك التحديات، وهكذا تزيد مسافة وسرعة الجري ووزن الحديد وأشواط السباحة، عملية لا تتوقف، الجسم يزيد قوة، وكذلك العقل، كلّما نشطته تيارات التجديد والتغيير صار أقوى، ولو أشياء صغيرة كتغيير طريقك للعمل أو تعلم بعض كلمات إنجليزية جديدة أو حتى إعادة ترتيب مكتبك أو غرفتك أو تعلّم عادة مفيدة كالتأمل أو حل ألغاز أو مناظرات ساخنة، سيجعل هذا عقلك ينهض من جموده الذي يكرهه ويقفز ليتحدى الصعاب بحماسة.
لا تجعل مخك يذبل بقية حياته في قرية صغيرة!
Yes