عندما يسمع البعض أن حوادث مرورية تحصل بسبب انشغال السائق بالمحادثة على الجوال فإنه يتفهّم ذلك، فمن يركز على كتابة رسائل في برنامج تواصل اجتماعي لا شك أنه سيغفل عن الطريق كل بضعة ثوانٍ، لكن ماذا عمّن يكلّم بالجوال؟ هل هو في الخطر نفسه ولو كانت عينه على الطريق؟
يقول العالم جون مدينا إن احتمال الخطر قائم هنا أيضًا، والسبب أن التركيز عملية تستهلك طاقة ذهنية، ولذلك يجب التركيز الكامل على الشيء لكي تأتي استفادة كاملة من تلك الموارد التي يمكن أن تنفد، ويذكر مدينا أهمية التركيز بأن يخبرك أن الشخص الذي يُقاطَع أثناء عمله تطول مدة عمله 50%، بل تزداد أخطاؤه أيضًا بالنسبة نفسها، فمثلًا لو كنت تعمل على مهمة تحتاج عادة إلى نصف ساعة، فإن بعض المقاطعات ستزيد وقت العمل إلى 45 دقيقة، وستصنع 3 أخطاء بدلًا من 2، وهذه المهمة يمكن أن تكون شيئًا مثل قيادة سيارة كما أتى، فمخك وقتها في مهمة تحتاج تركيزًا ذهنيًا، فإذا قاطع شيء ما هذه المهمة، فإن احتمالية حادث مروري تزداد كثيرًا، لذلك فإن الذي يهاتف بالجوال وهو يقود سيحتاج نصف ثانية إضافية ليدرك ما حصل فيما لو حدث شيء سريع مثل سيارة تتوقف فجأة أمامك، وليس الجوال فقط، بل أي شيء يقاطع تركيزك في القيادة يسري عليه الأمر نفسه، كالأكل أو كأن تبطئ لمشاهدة حادث مروري، كل هذه تنقص التركيز، وتزيد احتمالية الأخطاء، بل الأعجب أن دراسة أظهرت أن مجرد مد يدك إلى جيبك لتأخذ منها شيئًا يضاعف فرص الحوادث تسع مرات!
هذا ينفي خرافة ما يسمى الملتي تاسكينغ multitasking، وهي كلمة تعني عمل عدة أشياء في الوقت نفسه، وأُخِذَت من كلمة تصف الحاسب الذي يفعل ذلك بسهولة، أما الإنسان فلا يستطيع ذلك إلا إذا ضحّى بانتباهه لبعض هذه الهمات أو حتى كلها، بحيث ينقص من كل منها بعض التركيز، وهذه يجدر بالمراهقين معرفتها؛ لأن كثيرًا منهم يظن أنه يستطيع ذلك بلا أي نقص في الأداء، وتنطبق على الذهن الكلمة الشهيرة: صاحب السبع صنايع كذاب.