في صغري نظرت للكبار نظرة إجلال ومهابة، فالراشد ممن وصل للعشرين فما فوق إنسان ناضج عاقل حكيم، يعرف الدنيا جيداً ويستحق أن يُسمَع له، عكس الأطفال الضعاف الجهلة، لكن لما تركت الطفولة أستطيع أن أقول للصغار والمراهقين: لا فرق كبير بين شعور وأفكار الإنسان في طفولته وفي رشده!
نعم في بعض الأمور هناك فرق، فيصير أعقل وأنضج بمراحل، لكن لا تتوهم أن الكبيير كائن مختلف تماماً، وأن هناك خطاً فاصلاً بين الطفولة والرشد، وأن الكبير يدرك إجابات الحياة ويسيطر على مخاوفه ويمتلك الثقة التامة، ففي الكثير من الأمور يظل الإنسان طفلاً ولو قارب المئة.
الطفل كثير الخوف، ويغبط الكبار أنهم شجعان لا يخافون، لكن الحقيقة أن الكبار يخافون كثيراً بل خوفهم أدوم وأكثر من خوف الصغير الذي لا يتجاوز خوفه عادة دقائق وينساه بسهولة إذا استغرق في اللعب أو الكلام أو النوم، ومخاوفه عادة على أشياء مثل الحشرات أو الأشباح أو الظلام أو صراخ الكبار أو الوحوش، لكن الكبير يخاف أيضاً، إنه يخاف المستقبل، يقلق من مسؤوليات العمل لو أخطأ أو قصّر، يغتم من الديون، يخاف على أهله وأبنائه وأحبابه، يخشى الأخبار والكوارث، والفرق يا عزيزي الصغير أن الكبير يكتم خوفه ويبحث عن طرق مستمرة للسيطرة عليه، فترى مظهره فتعتقد أنه واثق لا يخاف من شيء، وإنما قلقه مكتوم في الداخل عكس صراخك الخارجي!
الصغير يتعلق بالأشياء، كالسكريات والألعاب، ولكنك محظوظ أيها الصغير لأن لديك والدين أو أجداداً يمنعونك من المبالغة في الأكل أو اللعب أو العبث، وذلك حفظاً لصحتك وعقلك ومستقبلك، لكن مَن للكبار؟ لا أحد، عليهم أن يعتمدوا على أنفسهم! وكما ترى في من يدمن الجوال أو الأكل أو التدخين أو السوشل ميديا أو الكحول أو التسوق أو الشراء عن بعد أو ألعاب الأونلاين.. إلخ، فإننا نحن الكبار أضعف مما تظن، والكثير من البشر الكبار يصرخون داخلهم متمنين شخصاً أو شيئاً يعاملهم كالأطفال، ينزعهم من الإدمان بالقوة ليعودوا لحياتهم الطبيعية الهادئة كما عرفوها في طفولتهم، تلك السنين التي فرحوا لما تركوها ودخلوا عالم الراشدين، واكتشفوا الآن أنهم سيصارعون الخوف والإدمان والرغبات والمصائد مدى الحياة.
نعم أيها الصغير، من الخارج يبدو الكبير كبيراً ناضجاً واثقاً، لكن سيظل داخله طفلاً صغيراً مدى حياته.