قبل ميلاد النبي عيسى بمئة وخمسين سنة ثارت حرب بين الرومان والقرطاجيين.
ليست أول حرب، بل هي الثالثة والفاصلة، فيها انتصر الرومان بقوة، ودُمِّرَت قرطاجة عاصمة القرطاجيين، وقضى الرومان على مُلكِهم، وتحققت كلمة السياسي السيناتور كاتو صاحب العبارة الشهيرة Carthago delenda est والتي تعني “يجب تدمير قرطاجة”، رددها كثيرا وختم بها كل خطبة حتى الخطب التي لا علاقة لها بقرطاجة.
كان كاتو قد زار قرطاجة في وفد دبلوماسي قبلها بسنين قليلة، أتى ليصلح بين القرطاجيين وأمة أخرى، فلما دخل المدينة صدمه ما رأى من مال وثراء، وخشي أن تتحول هذه الموارد إلى خطر على الرومان، رغم أن الرومان انتصروا في أول حربين ولم تعد قرطاجة تشكل أي خطر عليهم.
وفي عام 146 قبل الميلاد زحف الرومان واقتحموا قرطاجة ودمروها تدميرا، على مدى 6 أيام بطيئة ذبح الرومان كل من قابلوه في المدينة، واستعبدوا 50 ألف، وسحقوا المباني، ثم همّوا بجنود رومان منشقين كانوا قد اعتصموا بقرطاجة فقاتلوا وهم محاصرون في معبد، فلما يئسوا أحرقوا المبنى وهلكوا داخله، وصل الرومان إلى قائد الجيش وزعيم المدينة، وكان قد قاد غزوات كثيرة ضد الرومان، فاستسلم لهم على أن لا يقتلوه فوافقوا، لكن زوجته أبت الذل، فلعنت زوجها ثم أخذت أطفالها فدخلوا المعبد المشتعل وماتوا.
أخبار الدمار وصلت للآفاق، ودانت الأعناق للرومان وفزعت الأرض من هول بطشهم. تحققت مقولة كاتو الذي وضع ثقته وغطرسته في قوة الجيش الروماني المهيب، ولو عاش 5 قرون أخرى لرأى المفارقة وهي سقوط الإمبراطورية الرومانية بسبب جيشها، فتوزيع القواعد العسكرية حول العالم مطّ الدولة فوق طاقتها وأنهكها حتى أتت القبائل الجرمانية وأخذت تنهش من أطراف الدولة حتى أسقطتها في القرن الخامس الميلادي، وأُديلت الدولة على الرومان، وكأن التاريخ ينقل من قبور القرطاجيين ضحكة الشماتة، والأيام دُول.