يشتعل صيفنا الآن.
نحن في ذروة الحر، بلاد العرب تلتهب، بل معظم العالم سَخُن، أسمع الناس يتذمرون، أول شيء أسمعه عندما يأتي أحدهم: “السلام عليكم، كيف الحال؟”، والعبارة التي بعدها دائما: “وش ذا الحر!”، حتى لربما يجب أن نضيف “وش ذا الحر” كإحدى التحايا الرسمية في بلاد العرب!
إلا أنه يبدو أنني من الأقلية التي تفضل الحر على البرد.
أحد الأسباب: الحر يؤذي فقط، لكن البرد يقتل.
العالم “أنتونيو جاسباريني” أشرف على دراسة كبيرة قيّمت 74 مليون وفاة بين 1985م و 2012م في 13 دولة. هل تعلم ماذا وجد؟ البرد أخطر من الحر بمراحل، حتى إنه قتل من الناس أكثر من الحر 20 مرة!
في الحر، الوقاية سهلة: اشرب الكثير من الماء، غطِّ رأسك، تجنّب الشمس وبرّد رأسك وجسمك بالماء إن استطعت.
لكن في البرد؟ ليس بهذه السهولة. بردنا شديد الجفاف شديد القسوة، المطر نادر، البرد إما يصفع الجلد أو يثقب العظام. خناجره تصلك وتؤذيك أينما كنت، لا مصدر واحد مثل نقطة في السماء تتجنبها، حتى لو كنت في مبنى يمكن للنوافذ أن تُدخل البرد. أتذكر هبّة هواء باردة مفاجئة ذات مرة طرحتني أتألم بشدة 3 أيام.
هذا كله لا يعني أنني أبحث عن الحر وأستمتع به، لكني لا أمانعه إن كان لا بد منه، وأصبر عليه لأني أرى أوجهه الطيبة. نعم، له إيجابيات! هناك أسباب أخرى تجعلني أفضّله على البرد.
الحر مثل السونا، فيه شعور تطهيري. الحر يقتل البكتيريا والفيروسات على الأسطح، لمّا استشرى كورونا وأرعب الناس، عرفنا أن الحرارة عدوّه، حتى إن وضع الكمامة 20 دقيقة فقط على طبلون السيارة في يوم حار يقتل الفيروس. الحر سلاحك.
عندما ترتفع الحرارة بضع درجات فقط في الدول الباردة، يموت أفواج من الناس، رغم أنها فقط تصل إلى منتصف الثلاثينات، أما أنت يا ابن الصحراء العربية فقد تأقلمت معها، وروّضت الوحش، يفترض أن تَسعَد أنك طوّعت بيولوجيا جسمك.
ملامح الحر صارت من ثقافتنا العربية، الثوب الأبيض والشماغ\الغترة هي لباس الرجل اليومي بغض النظر عن درجة الحرارة. لا يوجد حر في المكتب المبرَّد لكن نظل نلبس الشماغ على أي حال، لأنه لم يعد لمجرد الوقاية من الشمس بل رمز لهوية ثقافية.
المتعة تأتي بعد الحر، هل هناك شعور أمتع من التبرد أو الاستحمام بعد الخروج من جو حار؟ حتى إن البعض يحب السونا لا لنفسها بل للاستحمام البارد بعدها مباشرة!
كيف سينتهي الكون؟ الأديان كثير منها تقول أن الكون سيُدمَّر أو الحياة ستَفْنَى، لكن ليس بالتحديد دائما، لكن في علم الفيزياء هناك نهاية محتملة للكون، وهي ما يسمى “الموت الحراري”، تعني أن الكون سيصل إلى مرحلة لا يجد فيها الطاقة الضرورية مثل التي تأتي من مصادر ساخنة. غياب الحرارة قد يبيد الوجود! فرضية أخرى اسمها الموت البارد، تقول إن الكون سيتوسع إلى أن تبرد الحرارة فيه وتموت الحياة.
الحر أساس الحياة والنشاط، عندما تجري أو تلعب الكرة ترتفع حرارتك وحماسك وطاقتك، البرد مرتبط بالخمود والموت، الجثث تبرد، لا تسخن. المشاهد الكئيبة المخيفة في الأدب والسينما تجدها دائما في ظلام وبرد، لا يمكن أن تصنع مشهدا مرعبا في نهار حار.
ماذا يحصل لك لو نقص فيتامين د؟ هشاشة العظام، إرهاق، كآبة، ضعف عضلات، تساقط شعر، مناعة أضعف، مشكلات نوم. تستطيع أن تحصل على فيتامين د من المكمّلات الغذائية لكن الشمس أفضل مصدر، اصبر على بعض حر الصباح أو بعد العصر لتتشربه، لن تحصل عليه من ضوء القمر!
الحرارة جزء من الحب والسعادة. عند رؤية المحبوب تزداد ضربات القلب ويتورَّد الوجه وتزداد الحرارة. هذا ما يحصل أيضاً عند الحماس في التشجيع أو الفرحة والنشوة. عندما يضم إنسان إنسانا بحب أو عشق أو طمْأَنَة يشعرون بحرارة أجسامهم.
الحرارة هي الحياة!
مقالة جميلة جدًا ولطيفة وبنفس الوقت ثرية ومقنعة، عندي ملاحظة بخصوص فقرة :
كيف سينتهي الكون ؟
ج/ الأديان كثير منها تقول أن الكون … الخ .
سيدي الكاتب الكريم :
“إن الدين عندالله الإسلام ” نحن نتفس الإسلام عقيدة وتصورا وماضيا وحاضرا ومستقبلا ، كيف تعرض لنا الموضوع وكأن الأديان كالإسلام !!
هو إسلام فقط والباقي تخاريف ، وهكذا يجب علينا أن نعتقد .
وبالتالي النهاية واضحة ومحددة بقرآن كريم من رب العالمين .
أرجو أن نكون جريىئين وواثقين ومعتزين بديننا وقيمنا وتصوراتنا وأن نفرضها على الآخرين بصورة غير مباشرة .
صحيح أن هذه جزئية إضافية في المقالة وليست جوهرية وهي جملة لو حذفت لن تؤثر على فكرة المقالة الجميلة ، ولكن والله إنها نكدت علي الانسجام ونغصت علي سلاسة السرد .
أهلا أخي محمد ويسعدني أن المقالة أعجبتك، أما “أديان” فلا تعني أني أراها متساوية، بل الإسلام هو الدين الحق بلا شك، لكن هذا لا يعني أن نتجاهل الأديان الأخرى خاصة التي لها وزن تاريخي وثقافي، فأغلب البشر على أديان غير الإسلام، وهم جزء من عالمنا ونراهم ونتعامل معهم كل يوم، هم واقع حقيقي لا يجب أن نتجاهله، وحتى القرآن ذكر أهل الأديان الأخرى كثيرا وآراءهم وتاريخهم واعتقاداتهم إلخ ولم يتجاهل وجودهم.