شعب الآمِش، القرن العاشر يعيش في زمننا

أمريكا تقترن بالتقدم والتقنية، هذا ما استقر في بالي سنوات وبال معظم الناس، إلى أن أتى يوم سمعت به عن قوم يعيشون هناك ليسوا كأنهم من زمننا هذا، وهم طائفة “الآمِش Amish”.

من هؤلاء؟ شعب الآمِش (بمد الألف وكسر الميم) أمريكان أصول أوروبية، إلا أنهم قاطعوا الحضارة، يركبون الخيل، يأكلون من صنع أيديهم، لا يعرفون سيارة ولا طائرة ولا إلكترونيات!

يبلغ تعدادهم قرابة 370 ألف، أكثرهم في أمريكا وبعضهم في كندا. الآمِش اجتماعيون مع بعضهم جدا، يعتبرون العائلة أهم أوجه حياتهم، وأنها كلما اتسعت عَظُمت النعمة، لذلك فإن إنجاب الأولاد وتربيتهم ومعاشرة الجيران والمعارف هي ما يستمتعون ويعتزون به. العائلة هي الزعيم في مجتمعهم، إذا تعارضت مصلحة الفرد مع العائلة غَلَبَت مصلحتها، وسلطتها تمتد مدى الحياة ولا تقتصر على الطفولة والشباب. حتى لو ساءت علاقة الفرد بأقاربه فإنها لا تنقطع تماماً مهما كان.

يُدرّسون أبنائهم بأنفسهم، المدرسة غرفة واحدة يجتمع فيها أطفال الحي. لا يرون أن التعليم الثانوي مهم، لذلك يوقفون تدريس أبنائهم بعد المرحلة الثامنة، وبعدها يبدأون العمل. في العائلة كل شخص له دوره، وتُقسّم الأدوار حسب الجنس، فالذكور يعملون مع آبائهم في الحقول والرعي وإنشاء المباني الخشبية مثل الاصطبلات، والإناث يعملن في المنزل والحديقة مع والداتهن، هذا بعد انتهاء تعليمهم وأعمارهم تقارب 14 عاماً.


أحد أسباب رفضهم للكهرباء هو أنها تُضعف ترابط العائلات، والعائلة عندهم أهم شيء، لذلك تكثر اجتماعات العائلة لديهم لأسباب دينية وغيرها، يتعارفون ويتسامرون ويتعاونون. الآمِش لا يحبون أن يلتقط أحد صورهم وينفرون من ذلك، والسبب ديني وثقافي، فدينهم يحثهم على تجنب الصور والتصوير، والحضاري فهو أنهم بطبعهم خجولون منطوون لا يحبون الشهرة ولا لفت الانتباه.

الآمِش لا يلبسون ملابس الشهرة، أهم سمات اللباس عندهم البساطة، يجب ألا تجذب الثياب انتباه الناس، لذلك يبتعدون عن الفاخر والزاهي والغريب ويلبسون الأبيض والأسود أو ألواناً أخرى بسيطة، النساء يلبسن ملابس محتشمة تستر كامل الجسد بما في ذلك الرأس ولا تُظهر إلا الوجه واليدين، تلبس المتزوجة غطاء رأس أبيض والبكر تلبس الأسود. الرجال المتزوجون والذين تعدوا الأربعين ُيعفون لحاهم ويحلقون شواربهم، لأن الشارب مرتبط عندهم بالعسكرية، حيث كان ضباط الجيوش الأوروبية في القرون الماضية يربّون شوارب كثة بارزة، وشعب الآمِش من مبادئهم السلم ويبتعدون عن العنف والقتال.

الأمريكان كثيراً ما يلينون في تربية أبنائهم حتى إنه ليس من المستغرب أن يقوم المراهق بشتم والده أو والدته والصراخ عليهما، أما الآمِش فتربية الأطفال أكثر صرامة عندهم، فلا يسمحون لأبنائهم بالشغب، وأقصى ما يستطيع الأطفال فعله هو الامتناع عن تنفيذ أمر أحد من الوالدين.


أما ما اشتهروا به فهو بعدهم عن أساليب الحياة المعاصرة، لا يستخدمون السيارات وإنما يركبون الجياد و العربات التي تجرها الخيل، وإذا ذهبت لبعض مناطق ولاية بنسلفينيا في أمريكا فلا تستغرب إذا رأيت عائلة في عربة يجرها حصان في أحد الشوارع! لا يحبون الاحتكاك بالأمريكان ويسمونهم «الإنجليز»، ويعيشون في مجتمعات منعزلة ومزارع بعيدة عن الشوارع والمدن.

مبادئهم الدينية تفرض عليهم ألا يستخدموا الكهرباء، لذلك فإن حياتهم شبيهة بحياة القرون الماضية، فاليوم العادي للرجل عندهم هو أن يستيقظ الخامسة صباحاً ويذهب للحظيرة ويطعم الحيوانات ويحلب الأبقار ثم يعود للإفطار مع عائلته، بعدها يذهب للعمل في مزرعته والتي يقضي فيها معظم يومه، يحرث الأرض ويبذرها ويحصدها، يتغدى مع أهله ثم يرجع للأرض. يعمل من الفجر إلى المغرب، وعندما تنتهي أعماله فإنه يمر على البقر مرة أخرى ليحلبها ثم ينتهي يوم عمله.

أما المرأة فهي تستيقظ في نفس الوقت وتعين زوجها على الحلب، تعد طعام الإفطار، تغسل الثياب وتنشرها على الحبال، تذهب للمزرعة فتقطف خضراوات الغداء، تجهز أطفالها للمدرسة، وخلال اليوم تقوم بباقي الأعمال من كي وغسل أطباق وترتيب وخياطة، فهي التي تحيك الثياب لنفسها وزوجها وأبنائها، وكذلك الطبخ والخَبز للعشاء ومن ذلك أن تقوم بتعليب الفواكه لتصنع منها المربى الحلوة.

بينما نطير في التسارع التقني المدهش الذي شتّت شملنا وملأ حياتنا بالضغط والقلق والوحدة، يذكّرنا الآمش – في تمسكهم بالبساطة والمجتمع – بجمال ومتعة أن تعيش مرتبطا بالأرض، بالطبيعة، بالعائلة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *