ظفر الفكاهي الشهير جيري ساينفلد بدعوة للظهور على برنامج حواري شهير في بداية حياته المهنية، وما كان عليه إلا أن يؤدي فقرة فكاهية لا تتجاوز ست دقائق، فقضى أكثر من ستة أشهر كاملة يتدرب على تلك الفقرة الضئيلة!
أكثر الناس إذا أراد الأداء أمام جمهور فهو يستعد ولو قليلاً، لكن جيري أخذها إلى مرحلة أعلى بكثير! لماذا؟ لأنه كمالي.
عودة إلى العنوان: نعم، أخطِئ. الخطأ شئٌ طيب.
الآن لا شك أن الحيرة قد ساورتكَ وجَعَلتك تتساءل: لماذا تريدني أن أُخطئ؟ وكيف يكون الخطأ شيئاً طيباً؟ والجواب: بسبب هَوَس الناس بالكمالية.
إنّ من يتعامل مع الناس اليوم ويَجسُّ نبضهم عن هذا الموضوع سيلاحظ شيئاً: لدى الكثير من الناس هلع من الخطأ. لا يهم نوع الخطأ، فقد يكون أن ينسى الشخص شيئاً، أو أن يسهو عن مهمةٍ ما، أو أن تمتزج ضغوط العمل بمشاكله الشخصية فيَغفل عن تكليفٍ أُوكِل إليه، وهنا لا يَرحم الكماليُّ نفسه، خاصة من يؤدّي أمام الناس، فأدنى خطأ أثناء التقديم أو الاجتماع – كزلةِ لسان، أو شريحة باوربوينت ناقصة، أو نقطة ينساها – كفيلٌ بإرسال الكمالي إلى قعر هاويةٍ مُظلمة لا يَرحم المرء فيها نفسه.
من المهم أن يُتقِن المرء عمله، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنَّ اللهَ تعالى يُحِبُّ إذا عمِلَ أحدُكمْ عملًا أنْ يُتقِنَهُ»، ومِن عناصر الأمانة أن يصنع المرء العمل بأفضل طريقة ممكنة، لكن هناك فرق بين الكمالي والعاقل، فكلاهما يتقن عمله قدر الاستطاعة، فأما العاقل فإذا أخطأ سامح نفسه وتعلّم من التجربة لئلّا يكرر الخطأ، وأما الكمالي فيرى نفسه ارتكب جريمة لا تُغتفر، ويعذّب نفسه بلا رحمة، واصفاً إياها بالفشل والإهمال، وكيف يُحسِّنُ هذا أي شئ؟ أيمكن التحفيز بالشتم والتحطيم والإذلال؟ لا يكون هذا، بل سيأتي بالنقيض، وهذا الكمالي فاتَهُ أن كل البشر يخطئون، حقيقةٌ لا استثناءات فيها. أكثر الناس نجاحاً وأغزرهم مالاً وأعظمهم صيتاً له خطأ، بل أخطاء في حياتها المهنية والشخصية.
الذين أدركوا هذا استغلوه، حتى إن البعض صار «يخطئ» متعمداً، لأن هذا يجعل صورته أكثر بشرية أمام الناس، فهذا المغني الشهير فرانك سيناترا إذا صعد المسرح أفسد ياقة قميصه عمداً، وهذا سام والتن مؤسس سلسلة أسواق وولمارت الشهيرة إذا تقدّم للمنبر ليتكلم أسقط كراسة ملاحظاته أمام الناس، فكانت هذه التصرفات تُنقِص من صورة الكمالية التامة التي تبعث الهيبة وربما النفور في نفوس الآخرين الذين يرون البارزين ولا أخطاء لديهم أبداً.
سوف تخطئ. أضمن لك ذلك. لكن لا تعذب نفسك، إنما العبرة كيف تتعامل مع الخطأ.
ما شاء الله تبارك الله
مقال احتجته ولا ازال احتاجه ما حييت
وسأحتفظ به ليكون شعاري في الحياة
الخطأ واارد جدًا ، والقران والسنة هذبتنا في هذا الموضوع
لان الصفه التي تميز بني البشر اننا نخطأ
قال الرسول صلى الله عليه وسلم (عوفي عن أمتي الخطأ والنسيان) وهذا إن دل فقد دل على رحمة الله بنا وعلى سماحة هذا الدين الجميل
سلم قلمكم.. على شوق في اكمال ما يشدني من مقالاتكم..
دام حرفكم✨
دام لك الخير والسعادة، فعلا الإسلام تعامل مع الخطأ بعقلانية، بينما البشر لاعقلانيون في التعامل مع الكثير من الأخطأء، ويريدون من أنفسهم وغيرهم الكمال!
يسعدني أنكِ وجدت نفعا وفائدة من المقالة، أتمنى لكِ أسعد يوم.