هناك صورة على الانترنت لشجرة…وحيدة.
تراها فلا ترى فيها أي اختلاف عن غيرها، لكنها من الكائنات الحية النادرة التي نجت من سونامي اليابان عام 2011م، منظرها مدهش، فقد هلك كل من حولها من بشر وحيوانات بل حتى الجمادات تحطمت، لم يصمد شيء أمام السونامي الجبار وطوفان الدمار المروع، لكن هذه الشجرة كافحت، وأكرمها أهل المنطقة فحموها بسياجات حديدية واعتنوا بها حتى تعافت.
هذه الصور مشوقة، تبدو عادية لكن ما إن تعرف قصتها حتى تدرك أنه كان حولها معمعة واضطراب ودمار، في عام 1999م حصلت مذبحة شهيرة في مدرسة أمريكية اسمها كولومباين في ولاية كولورادو، أشهر مذبحة مدرسة إلى اليوم لأنها أول واحدة بهذا الحجم من القتل، كُتبت عنها الكتب ووُضعت الأفلام الوثائقية ونُشرت المقالات وتنافست التحليلات، لماذا أقدم مراهقان عاديان على قتل 15 صبيا بالمسدسات والقنابل؟
في دقائق قليلة حوّلا المدرسة إلى جحيم من الصراخ وإطلاق النار والقتل، انفجرت الفوضى وتفاوت الطلاب بين الصراخ المضطرب والهرب اليائس و الاختباء المرعوب، حتى أتت الشرطة والقوات الخاصة لكنهما انتحرا. دمار مخيف. واليوم لو ذهبت لمكتبة المدرسة لرأيتها ساكنة رقيقة، تَعرِض كتبها وأماكن القراءة الهادئة، ليس كأنها استضافت مذبحة مهولة، وهو نفس منظر هدوئها قبل بدء المذبحة!
في القرآن معنى كهذا، آخر آية في سورة مريم: «وكم أهلكنا قبلهم من قرن، هل تُحِسُّ منهم مِن أحد؟ أو تسمع لهم رِكْزاً؟». الأمم الطاغية الباغية الكثيرة التي دُمِّرَت، صمتت تماماً الآن، هناك أمم تعيش الآن فوق الأنقاض والعظام، لكنها لا تسمع رِكزاً (الصوت الخفيف) من أسلافهم المدفونين تحتهم، كانت أمة نابضة بالحياة والصخب والمتع والآلام والحركة والأحلام، خمدت.
ربما نرى هذا كل يوم ولا ندري، مررت بشارع ذات مرة والتفتُّ للمسار المقابل فرأيت زحام سيارات وتكدّس فيما يبدو أنه حادث، ثم سمعت صراخ امرأة، سياق المشهد يوحي أن هناك مصيبة وأن شخصا قد مات في الحادث وهذا صراخ زوجة أو أم الفقيد. بعدها بساعة مررت بنفس المسار وإذا بالزحام اختفى وذهبت سيارات الإسعاف والمرور، وسمعت غناء عصفور من شجرة قريبة وكان الجو جميلا، ليس كأن هناك قبل قليل حياة انتهت ومصيبة هبطت وعائلة انكسرت، إنه من تلك المواقف التي ترى فيها السكون…بعد الدمار.