تثير فلسفة «باخرة ثيسيوس» تساؤلات عميقة حول هوية الأشياء والأشخاص. ماذا يُكوِّنك؟
أصل المفهوم يعود إلى الفيلسوف اليوناني بلوتارخ في القرن الأول الميلادي، الذي تساءل: إذا أخذنا باخرة الملك ثيسيوس واستبدلنا كل جزء منها بأخرى، هل تبقى نفس الباخرة؟
لننظر إلى مثال معاصر: تخيل سيارة تعرضت لحادث، فتم استبدال المحرك والإطارات والمصابيح والصدّامين والراديتر. ثم غيّر صاحبها مظهرها وصبغها بلون آخر. متى تتوقف السيارة عن كونها الأصلية وتتحول إلى سيارة جديدة؟ هل عندما يتغير المحرك؟ أم عندما يتغير الهيكل؟ هل هناك نسبة معينة للتغيير تجعلها سيارة أخرى؟
الأمر ينطبق على البشر أيضاً! بفضل التقدم الطبي، تتغير أجسادنا بشكل مستمر. إذا قصصتَ أظفارك أو شعرك، فأنت لا تزال أنت. لكن ماذا عن شخص فقد يده في حادث وركب يداً صناعية؟ خلايا الجلد تتجدد بالكامل بعد بضعة سنين، فأنت شخص جديد من الخارج، لكن لم تتغير «أنت».
لكن ماذا إذا زادت التغييرات؟ لنتخيل شخصاً، نطلق عليه اسم «ص»، تعرض لانفجار وفقد أطرافه الأربعة واستبدلها بأطراف صناعية. ثم فقد كليتيه وزرع مكانها كليتين جديدتين. نزف كثيراً فتم ضخ دماء متبرعين له. احترق وجهه وزرعوا له وجهاً جديداً. تضررت كبده فزرعوا له كبداً. استبدلوا بنكرياسه وأمعاءه ورئتيه. وأخيراً، زُرع له قلب جديد.
هل «ص» هو نفسه الذي نعرفه؟ إذا كان له قلب جديد، ووجه وكبد جديد، وكليتين ورئتين جديدتين، ودم وقرنية وأمعاء وعظام جديدة، وأوعية دموية وأعصاب جديدة، فهل هو نفس الشخص؟ متى يتوقف الشخص عن كونه «هو» ويتحول إلى شخص آخر؟ هل عندما يُستبدل المخ؟ ماذا لو تم استبدال المخ بمخ صناعي يُفرَّغ فيه ذكريات الشخص وأفكاره؟
ناقش الفيلسوف الإنجليزي جون لوك في القرن السابع عشر هذه الفكرة بمثال الملابس. قال: لو أن جورباً انشق ورُقِع، ثم رُقِع مرات عديدة حتى لم يبق من قماشه الأصلي شيء، هل يبقى نفس الجورب؟ وأشار آخرون إلى الفأس، فإذا استُبدلت خشبته ثم رأسه الحديدي، هل يبقى نفس الفأس؟
ماذا ترى؟ ما الذي يُكوِّن جوهر الشيء، بل جوهر الإنسان نفسه؟