انتُخب ثيودور روزفلت رئيساً للولايات المتحدة وعمره 42 سنة، وما زال إلى اليوم أصغر رئيس أمريكي عُمراً. ليس عمره الشاب هو الذي يجعله طفلاً، بل روحه. كان يملك نفساً تشبّثت بطفولته، بالحماس والمتعة والجذل والحيوية المقترنة بروح الصبا.
كيف كان ثيودور؟ يصفه صديق: «كأن أيامه كلها أعياد الكريسماس». وُلِد ثيودور لعائلة ثرية، لكن لم يكن هذا سبب بهجته التي استمرت رغم المتاعب. هناك من يولد في الثراء وهم أضيق الناس صدراً، ومن ينشأ معوزاً لكنه سعيد. السر هو عقلية المرء، وتلك كانت نظرة ثيودور: الحياة مغامرة ممتعة.
تعلم ثيودور هذه النظرة من أبيه، الذي غمره بالحب والدروس الواقعية، فلا نستغرب إذا قرأنا رسالة كتبها وهو في العاشرة: «كم تحمست وأنا أقرأ رسالتكِ! فتحت فمي مدهوشاً عندما عرفت كمية الورود التي أرسلوها لكِ، ولما أخبرتيني عن الطير المحاكي وكيف سمعتِ تقليده للأصوات قفزتُ طرباً!». أشياء بسيطة جعلته يقفز بسرور. ظل ثيودور متمسكاً بهذه العقلية، فيصفه رفاق الجامعة نشيطاً وسريعاً، يجعل من حوله ينفجرون ضاحكين.
خفّ هذا لما توفي والده، لكنه صارع الغم وحوّل طاقته إلى شؤون أخرى: مشى وسط الطبيعة وصادَ ولاكمَ وجدّفَ وسبح. كتب عشرات الكتب، تزوج وأنجب أطفالاً، ودخل السياسة عام 1881م. حتى أتاه يوم 14 فبراير 1884م بضربة موجعة: توفيت أمه وزوجته في اليوم نفسه. في كراسة ذكرياته لم يكتب ذاك اليوم إلا سطراً: «غادر النور حياتي».
هل توقف عن الاستمتاع بالحياة؟ لا، فعل كما فعل بعد وفاة والده: ترك بيئته وذهب للطبيعة. رغم ألمه كتب عن تلك الفترة: «استمتعتُ بحياتي لأقصاها». رجع وتزوج وصعد السياسة حتى صار رئيساً عام 1901م.
هل تظن أن المنصب جعله جاداً مضغوطاً؟ المشهد التالي يجيبك: الرئيس يسير مع بغلته وأدوات التخييم ويقطع مسافات طويلة في وادي يوسيميتي! عاد بعد رحلة التخييم وأصدر قرارات بحفظ البيئة وحماية الأشجار. ارتجّت أرجاء البيت الأبيض بضحك الرئيس، ولم ينافس ذلك إلا ضحكات أطفاله وهم يلاحقونه.
بعد فترة رئاسته، ظل إيجابياً. بعمر 55 قرر اجتياز نهر يخترق غابة الأمازون، ولما حاولوا أن يُثنوه قال: «عليّ أن أفعل هذا، إنها آخر فرصة لي لأكون طفلاً!»، وخاض مغامرة مليئة بالأفاعي والأمراض والمشاق والأمواج.
ظل كالطفل اللعوب المبتهج. لم تنطفئ بهجته إلا عام 1918م عندما قُتل ابنه كوينتن في الحرب العالمية الأولى، وتوفي بعدها بأشهر.