يحب الناس تخيل ما كان سيكون العالم لو تغيّر شيء من الماضي، مثل: “ماذا لو لم يولد فلان؟”، والعلماء يطالهم هذا التساؤل، وممّن غيروا حياة البشرية غاليليو الإيطالي في القرن السابع عشر، اخترع التلسكوب واستخدمه في اكتشاف 4 أقمار لكوكب المشتري، ورؤية مراحل كوكب الزهرة، وساهم علمه في صنع النهضة العلمية، ماذا لو لم يولد؟ هل كانت ستحدث النهضة؟
نعم، غاليليو لم يأتِ بشيء جديد، بل استفاد من العالم المسلم البتاني الذي كتب عن النجوم والكواكب قبله بست مئة سنة، ماذا عن التلسكوب؟ نفس الشيء، التلسكوب أتى به عالم هولندي اسمه هانز ليبرشي.
هذه معلومة ذكرها العالم جاريد دايمند في كتابه “مسدسات وجراثيم وفولاذ” والذي يحلل فيه أسباب نهضة الأمم، ومما أتى فيه هذا التساؤل، أي “لماذا ظهر هؤلاء في الغرب وليس في الشرق مثلاً؟ لو لم يولدوا هل سينهض الغرب؟”، ويجيب على ذلك بهذه المعلومة الظريفة: هل تعرف جيمس واط؟
إنه مخترع المحرك البخاري. هذا المحرك صنع ثورة علمية في الغرب، فغرضه الأساسي لضخ الماء من المناجم، ثم صار يزود مصانع القطن بالطاقة، وبعدها صار محرك سيارات وبواخر وتضخمت تأثيراته. إذاً يمكن أن نقول: لو لم يولد واط لتأخرت النهضة التقنية الغربية. لكن هذا خاطئ، من عيوب قوانين حقوق الملكية أنها تحث الشخص أن يتجاهل اختراعات الأسبقين ويزعم أن اختراعه جديد تماماً، لكي لا يُحرَم براءة الاختراع، ولما نال واط البراءة ظن الناس أنه اخترع جديداً، والقصة الشهيرة أنه رأى البخار يخرج من إبريق شاي وأتته الفكرة، لكن مثل كل المخترعين والعلماء اعتمد واط على غيره، وتلك القصة وهمية، ذلك أن واط أتته الفكرة لما كان يُصلح.. محرك بخار! صنعه توماس نيوكومن قبل واط بقرابة ستين سنة. إذاً نيوكومن هو المخترع؟ لا، نيوكومن أخذ الفكرة من محرك بخاري صنعه الإنجليزي توماس سيفوري 1698م، والذي أخذ الفكرة من الفرنسي دينيس بابان في 1680م، والذي تأثر بأفكار الهولندي كريستيان هوهنز وغيره.
الذي فعله واط والآخرون هو تحسين الاختراع، ولا تُنفى جهودهم، لكن علينا أن نزيل من رأسنا فكرة أن المخترعين يأتون بأشياء جديدة وأن العالم سيتغير لو لم يولدوا، فهذا لا يحصل أبداً، ولو لم يخترع فلان الشيء العلاني لأتى به غيره.
جميل.. فكرة انه حتى لو لم يأتوا بهذه الافكار سيأتي بها غيرهم جعلت حمل ثقيل يسقط من على كتفيِّ..
الفكرة المجنونة التي تكون هوس وحب لتغيير العالم
خاصةً لمن لديه أفكار اختراعات جديدة
لا بأس إن لم يتغير العالم..
سنحقق أحلمنا بهدوء تام وببطئ إلى ان تكتمل بقية قطع الاحجية لتصبح حلم قد يغير على الاقل “رجلًا واحدًا”.
غادة عطية