أرى نبتة خضراء وكرسيا أخضر.
كلاهما في نفس المقهى. النبتة جزء من الطبيعة والكرسي لا. أكتب على منضدة بنية لعلها مصنوعة من جذع كان قد تَزيَّن أعلاه بخضرة الشجرة الصامدة، أو لعلها سقطت الآن ولم تصمد أمام آلات القطع والتدمير البشري، الإنسان الذي يزعم أنه يحب الطبيعة لكن يمضي في محو خُضرتها.
بجانب المقهى محل ورد، ورودٌ حمراء وصفراء وزرقاء، كلها أوراقها خضراء، تشتريها يدٌ يائسة تريد إعادة الخضرة لزيجةٍ متصحّرة، أو يد عاشقة تحلم بفتاة المستقبل، أو يدٌ وحيدة تتمنى ظل يد تهديها ورودا ولم تجد إلا أن تهدي نفسها.
أمامي كوب قهوة استُخلِصَ من حبوب البن الخضراء قبل حمصها، تركتْ خضرتها لتكون مشروبا لذيذا لك وعماد اقتصاديا للبرازيل وأثيوبيا وبطلة تجارة عالمية تتجاوز 80 مليار دولار، فهبّوا يزرعون المزيد أينما استطاعوا من نباتاتها الخضراء.
أكتب بقلمٍ أزرق جاف، كم الفرق شاسع بين اليوم والماضي، فبهذا القلم الصغير يمكن للحبر أن يكتب كماً هائلاً، ولو مشى بلا انقطاع لكتب خطاً طوله 2 كم، بينما في بعض حقب الماضي كانت الكتابة بقصبة مجوفة معبأة بالحبر تؤخذ من بعض أجزاء الخيزران، نبات غريب كالأنابيب، ألوانه مختلفة بين البني والخشبي والأخضر.
هامش ورقتي أخضر، شجرة بنية صارت ورقة بيضاء ولونوا هوامشها لتحاكي لون الطبيعة، يستريح على الطاولة كتاب أخضر اللون، اسمه «مسيرة الرعونة» للمؤرخة باربرا توكمان، يُفصّل تعنتات تاريخية مدهشة، زعماء وقادة وبابوات مضوا في مسارٍ جامد الرأس فاسد الرأي حتى أوردوا أممهم المهالك ومزجوا دماءهم بالتربة التي أنبتت أشجاراً يكتب البشر على أوراقها.
الأخضر، ربما هو حولك الآن، يتخلل الحياة والتاريخ بإصرارٍ عجيب!