لن تنال التحكم إلا بالتخلي عنه

لا يرتاح الإنسان إلا إذا شعر أنه يتحكم، يتحكم بحياته، يومه، ظروفه. فقدان التحكم مقلق، نجاهد لنستعيد السيطرة على المِقوَد. لكن هذا ليس ممكنا دائما. خذ مثالا، ربما أشد شيء في فوبيا الطيران شعور أنك فاقد التحكم بالموقف، لست الطيار، أنت مجرد راكب ليس له من الأمر شيء، لذلك رغم أمان الطائرة مقارنة بالسيارة إلا أن المرهوب يرتاح إذا قاد السيارة، رغم أن مخاطرها أعلى، والسبب ببساطة هو الشعور بالتحكم.

لكن فوبيا الطيران لها شفاء، ومن أعمدة الشفاء الوصول لقناعة بسيطة: سلّم الشعور بالتحكم إلى غير نفسك. هذا من طرق التشافي. التحليق في السماء تجربة لا يمكن للإنسان أن يتحكم بكل تفاصيلها. الطيارون والطاقم الهندسي هم من يحملون عبء هذا التحكم بأدق التفاصيل، معتمدين على سنوات من التدريب والتكنولوجيا المتقدمة التي تجعل من الطيران أحد أكثر وسائل النقل أمانًا. حين يتعلم الشخص أن يثق بهذا النظام، ويترك هاجس السيطرة، يبدأ تدريجيًا في الشعور بالراحة. هذه القناعة تتطلب تمرينًا نفسيًا، قد يكون من خلال تقنيات الاسترخاء، أو العلاج السلوكي المعرفي، أو حتى تجربة الطيران التدريجي مع دعم متخصصين.

مبدأ في الحياة أيضا، لتنال القوة في الحوار وحل المشكلات مع الناس، اترك تقديم النصح والاقتراح والكلام والمقاطعة، سلّم الدفّة للمتكلم، دعه يتحدث واستمع، هذا سيجعله يثق فيك، وينجذب إليك، وتحصل على معلومات مفيدة تسهم في حل المشكلة، تبدأ ترى الآخر كإنسان له شخصية وليس كقالب مسبق حكمت عليه من شكله أو كلامه أو جنسيته، إذا شعر أنك تسمعه سيحثه هذا أن يفهمك أنت أيضا، تتحكم أكثر بالموقف.

التصارع مع كل موقف للتحكم به ينتج البؤس والهلع والقنوط. باب الحرية والخلاص لا يريد منك مالاً، ما عليك إلا أن تدرك حقيقة واحدة: لست المتحكم دائما. سلّم هذا الشعور، وستجد أنك فعلا صرت في وضع تحكم بحياتك، صرت حراً لا تقلق بشدة كالسابق.

وهذه هي المفارقة: لن تصل إلى التحكم…إلا بالتخلي عنه!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *