أهلاً يا ابن المستقبل، اسمي إبراهيم، أكتب إليك من الماضي البعيد، ربما بيننا ألف سنة، أو أكثر. هل لك في حوارٍ عبر القرون؟ بضع كلمات أريد أن أقولها لك…
- احذر التقنية. ظنناها ستخلصنا من كل مشكلة وتبني المدينة الفاضلة، ورغم ما استفدناه منها إلا أنها فتحت أبوابا من الشر لم نتوقعها، ففرقت بيننا، وبثت القلق والاكتئاب والوحدة، وظهر الذكاء الاصطناعي الذي استُخدِم فوراً في الشر والتدمير، وما نزال نخشى تعاظمَه وشرّه.
- لا تقطع صلتك بالماضي. لتكن لك لحظات تعيش فيها كما عاش أجدادنا، اترك عالمك المتطور واجلس في الطبيعة، واشرب الشاي والقهوة على بساطٍ قديم التطريز، اترك أجهزتك بعيداً.
- لا تصدّق كل وعود التقدم. قيل لنا إن العالم سيصبح أكثر عدلاً، وإن المعرفة ستصل إلى الجميع، وإن البشر سيتحررون من القيود القديمة. لكننا وجدنا أن الظلم يرتدي أقنعة جديدة، وأن المعرفة تحولت إلى سلاح، وأن قيودنا صارت أكثر تعقيدًا، تُغلف بالراحة لكنها تقيّد الروح. لا تجعل عصرك يخدعك، فالإنسان يبقى كما هو، بطموحه ونقائصه، مهما تغيّرت الأدوات.
- لا تدع سرعتهم تجرفك. كنا نعدو خلف كل شيء، نركض بلا توقف، لكننا نسينا السبب. سرعة الحياة لم تمنحنا أكثر من وهم الإنجاز، ووجدنا أنفسنا نعيش في فوضى لا نهاية لها. تذكّر أن التوقف ليس هزيمة، وأن التأمل ليس مضيعة للوقت، وأن قيمة حياتك لا تُقاس بمدى انشغالك، بل بمدى عمق ما تعيشه.
- لا تفقد دهشتك. نحن كنا نندهش من أشياء صغيرة—سماء صافية بعد المطر، صوت ورقة تُقلب، طفل يضحك بلا سبب—لكننا فقدنا هذا الشعور شيئًا فشيئًا، حتى أصبحنا نبحث عنه في أشياء كبيرة، معقدة، مكلفة، وكثيرًا ما عدنا بخفّي حنين. لا تسمح لعالمك أن يسلبك دهشة البدايات، أن يُميت فيك حب الاستكشاف الطفولي، أن يجعلك تتوقع كل شيء حتى تفقد معنى المفاجأة.
- اسأل عن الحب. ليس في الكتب ولا في الأفلام، بل في قلوب من عاشوا بصدق، في نظرات من عرفوا المعنى ولم يكتبوا عنه، في صمت الأوفياء. الحب ليس كما باعوه لنا، ليس شعلة تحترق سريعًا ثم تنطفئ، بل جذر يمتد في الأرض ببطء، يتشابك مع جذور أخرى، يثبتك حين تعصف الرياح. احرص ألا تعيش زمنك دون أن تفهم الحب الحقيقي.
وفي النهاية، لا أعرف كيف سيصلك صوتي، هل تقرأه على شاشة، أم تسمعه في هواء ذكي يردد كلماتي، أم تلتقطه بطريقة لا أستطيع حتى تخيلها؟ لكن إن وصلت إليك رسالتي، فأنا سعيد بأن هناك من يسمع، رغم القرون التي تفصلنا.
كن بخير…
صديقك من الماضي، إبراهيم