في 1964م ظهر في التلفاز إعلان مبهر.
مبهر من ناحية فهمه للنفس البشرية، لكن غير ذلك فهو مجرد إعلان سياسي سلبي.
إنها الانتخابات الرئاسية الأمريكية بين ليندون جونسون و باري غولدواتر، وكالعادة تدفّق زخم الإعلانات السياسية في الصحف والتلفاز والمذياع، كل منهما يحاول إقناع الشعب أنه المرشح الأفضل. هذه الإعلانات لا تكتفي بإبراز المرشح إيجابيا بل عادة تقترن بهجوم على الخصم، جزء لا يتجزّأ من أي انتخابات، لكن هذه المرة حصل أمر مختلف.
ظهر إعلان الأقحوان The Daisy Ad.
الإعلان من جانب ليندون جونسون يحذر فيه من مغبة انتخاب منافسه غولدواتر، لا يظهر فيه جونسون نهائيا، لكن إخراج الإعلان بارع في فهمه لعقل الإنسان وتأثير المشاعر عليه.
يبدأ بطفلة جميلة في حقل زهور، العصافير تغرد في الخلفية، في يدها زهرة أقحوان، تقطف بتلاتها وهي تعد “واحد، اثنين….”، حتى إذا وصلت إلى 10 تسمع صوت رجل يعد تنازليا: “عشرة، تسعة، ثمانية..”، وتنظر الطفلة بحيرة إلى الأفق كأنها ترى شيئا لا تفهمه، وتقترب الكاميرا من بؤبؤها حتى يملأ الشاشة، وإذا وصل العد إلى واحد وإذا بانفجار نووي، وتسمع صوت جونسون وهو يقول: “هذا ما هو على المحك، إما أن نصنع عالما يعيش فيه جميع عيال الرب، أو أن ندخل الظلام، يجب أن نحب بعضنا البعض، أو أن نموت”.
مدته 60 ثانية فقط، ولم يُعرَض إلا مرة واحدة، ومع ذلك كل من رآه لم يستطع أن ينساه. في الستينات كانت الحرب الباردة بين أمريكا والاتحاد السوفيتي في أوجِها، وقد تجاوز الاثنان أزمة الصواريخ الكوبية التي كادت تنهي كوكب الأرض لو أنها اشتعلت إلى حرب نووية، وفي خضم هذا التوتر ظهر هذا الإعلان الذي يخوّف فيه جونسون من خصمه غولدواتر الذي أصدر عدة تصريحات من قبل تشير لأنه متساهل في استخدام الأسلحة النووية.
الطفلة وصوتها البريء هي رموز طبيعية تثير مشاعر إيجابية، مما يزيد من قوة الإعلان التي يشعر بها المشاهد من خلال عينيها. صوت العد التنازلي صادم، في عصر امتلأ فيه البلد بملاجئ نووية وخوف من القطب العالمي الآخر. صوت جونسون يبدأ برسالة عن الحب وينتهي بإنذار كارثي من الموت الجماعي، يصنع تناقضاً بالغاً داخلك كمشاهد. الإعلان فيه مخاطرة، فقد كانت هناك احتمالية أن يكره الناس جونسون بسبب محاولته الواضحة أن يخوفهم من خصمه، لكن من العناصر التي خففت المخاطرة هذه: (1) لم يظهر وجهه، فقط صوته، مما جعل المُشاهد لا يربط بينه وبين الإعلان. (2) يَذكر الرب والحب، دفعة من الإيجابية. (3) لا يذكر خصمه غولدواتر إطلاقاً! رغم أنه يقصده.
إعلان الأقحوان (اضغط هنا لتراه) مثال عبقري على فهم المشاعر البشرية والتلاعب بها، استغل البراءة والخوف لإيصال رسالة عميقة، مما جعله تحفة في التأثير النفسي والإعلامي.