التخلف يعني البقاء في الخلف، فيقال: تخلّف عن القافلة، أي بقي وراءها، وهناك ما يسمى امتحانات المتخلّفين أي دور ثانٍ للراسبين الذين لم يواكبوا الناجحين.. كلمة التخلف في استعمالها الشائع ترتبط بنبذ العلم والتقنية والمكوث في بدائية الأمم السابقة، فإذا رأى الشخص قرية تتنقل بالحمير وتتراسل بالبريد رأى أنها متخلفة، ولأشفق عليها ودعا لها أن تترك بدائيتها وتلحق بالركب، لكن في زمننا هذا أرى أن المعنى تغير، فكثرة استخدام بعض التقنية هي التخلف!
لا أقصد كل أوجه التقنية، فهي غالبا مفيدة بل ضرورية، لكن تحديدا وجه شديد الانتشار.. وهو الجوال.
المتخلف الجديد لا يستطيع إجراء عمليات حسابية سهلة لأنه اعتاد أن يستخدم حاسبة الجوال، لا يقدر أن يصل إلى أي مكان إلا ببرنامج الخرائط، ولو كان في الحي الذي يسكن فيه، كان يزور ويزار ويهاتِف ويهاتَف أما الآن فقد قطع شرايين علاقاته الإنسانية الطبيعية واكتفى بكلمات باردة على برامج المحادثة متوهما أن هذا نوع من التواصل، يحاول تعويض تقصيره بأن يحشو عباراته بالورود والقلوب.
كان يقرأ بعض الكتب والصحف والآن استبدلها بهذا المستطيل الغادر، فبدأ عقله يصير ضحلا مشتتا عاجزا عن التركيز فترات طويلة، كانت قراءته لمجلة أو كتاب أو صحيفة في مكان عام ذكرى جميلة أما الآن فتحديقه بصمت في الجهاز هو الطبيعي لديه، ويضع الجوال على الطاولة وكأنه زينة يتوقع أن ينظر الناس لها بإعجاب، وأحيانا ينزل دون درجة التخلف بأن يشاهد مقاطع مرئية بصوت مزعج، بلا حس أو مراعاة أو ذوق، يجلس معك ولكن باله مع جواله، ربما تكلمه لكن عينه عليه، هل هذا التجاهل لك علامة شخص متحضر؟
هذا هو التخلف الجديد، القافلة سارت وصاحبنا تخلّف وراءها، (لم ينتبه أنها سارت لأنه جالس على جواله!).