رواد الفضاء إذا ركبوا في مركباتهم الصاروخية ليطوفوا حول الأرض أو ليمكثوا الأشهر الطويلة في المحطة الفضائية الدولية فإن أمامهم وقتا طويلا جدا وهم في مثل الحبس، فيحتاجون ما يقطعون به الوقت، ولا أفضل أو أنفع من الكتب، لذلك فإن رواد الفضاء يحضرون معهم الكتب التي يستمتعون بقراءتها، أو كتبا جديدة يتطلعون لها، ولكن الغريب أن الكثير منهم لا يقرأها إلا قليلا! لماذا؟
السبب هو أن رائد الفضاء إذا ترك كوكبنا وابتعد ثم التفت فإنه ينبهر بكوكب الأرض من بعيد، إنه يراه لأول مرة من هذا المنظور، وهذا التأثير لا يجلس ساعة أو ساعتين بل يستهلك كل وقتهم تقريبا، يحدقون مبهورين في العالم الذي نعرفه نحن ونعيش فيه والذي تركوه وأخذوا يبصرونه بنظرة عالية بعيدة، وهذا ما يسمى بأثر اللمحة العامة Overview Effect، مثل ما تقرأ في مقدمة منهج أو كتاب، يعطيك لمحة عامة عن محتواه بشكل مختصر شمولي، فكذلك ستكون نظرتك للكوكب من الفضاء، لمحة عامة لكوكب كامل، كل الذين رأوا الأرض بهذه الطريقة شعروا أن كل خلافاتهم صارت ضئيلة تافهة، واستغربوا أنهم أضاعوا الوقت والأعصاب عليها، من هذا المنظور ترى فعلا حجمك وحجم مشكلاتك.
تأثير النظرة العامة أتى بشكل زمني في التراث الإسلامي كثيرا، فقد نام رسول الله عليه الصلاة والسلام ذات يوم على حصيرٍ خشن ولما استيقظ وإذا به ترك أثرا واضحا على جسده، وعرض عليه بعض الصحابة أن يأتوا بشيء ألين وألطف من هذا الحصير الجاف، فقال: «ما لي وللدنيا؟ ما أنا في الدنيا إلا كراكب استظل تحت شجرة ثم راح وتركها». وكذلك عندما قال: «بُعِثتُ أنا والساعة كهاتين» ورفع إصبعين متقاربين. هذه التشبيهات تذكّرك أن الزمن وإن بدا بطيئا طويلا فإنه في عمر الكون أقل من جزء من الثانية، وهذه الأحاديث ترفعك للأعلى وتعطيك منظور اللمحة العامة من الوجه الزمني.
لن تذهب للفضاء، لكن حاول أن تشارك رواد الفضاء نظرتهم، انظر إلى صورة للكوكب أو فيديو، واعرف حجمك الحقيقي، فربما ترتاح وترى أن الكثير مما أشغلت به بالك ليس بتلك الأهمية!