لا أنخدع الآن بلحظات الحماس التي أراها.
إذا رأيتُ من يمر بلحظة روحانية أو عاطفية أو تجارية أو شخصية، حيث يعلن أنه سيتوقف عن العادة الضارة الفلانية، أو يبدأ النظام الرياضي أو الغذائي العلاني، أو سيتوب من شيءٍ ما، فإني سأشجعه وأعينه قدر استطاعتي، لكن لن أصدق فعلاً أنه سيمضي في هذه الطريق إلا بعد فترة تُثبت صدق إرادته وصبره، فالزمن برهان.
لست أخص غيري بذلك فقط، بل أنا أول من ينظر هذه النظرة الفاحصة المرتابة إلى نفسي لو أنني في الموقف نفسه، أقول لها: الزمن برهان.
أتذكر أحد أصدقائي في المراهقة لما تغيّر حاله فجأة، وصار يؤدي كل الفروض والنوافل والسنن الرواتب وتحية المسجد و.. و.. وفجأة بين يوم وليلة، ثم بعد بضعة أيام ترك ذلك بالسرعة نفسها -وصار أسوأ من ذي قبل-، وتذكرت مقولة لأحد قدماء الفقهاء: “احذر هجمة الزهد المفاجئة”.
متى ترى هذا في الواقع؟ كثيراً!
تسمع بحمية جديدة فتطبقها فجأة، ولكن ما هو إلا 1-2 أسبوع حتى تتركها، لا يمكن أن تغيّر الأكل الذي اعتدت عليه عشرات السنين في يوم، الحل هو تغييرات تدريجية بطيئة تتقبلها نفسك وذائقتك.
ترى تخفيضات في النادي الرياضي فتشترك وتبدأ بحماس، وبعد أقل من شهر لا يرونك هناك. الحل أن تبدأ بشكلٍ معقول وبطيء، لا أن تعبئ جدولك اليومي فجأة بشيءٍ شاق عليك، وتتمنى الخلاص منه بسرعة إذا لم يأتِ بنتائج فورية.
تلتزم بكل شيء ديني ممكن، حتى النوافل والمستحبات تعاملها وكأنها فروض، وتُجبر وتُتعب نفسك عليها حتى تحترق وتخرج بنظرة سلبية لتلك التجربة، بينما لا شيء يمكن الاستمرار عليه بإرغام النفس فجأة على شيء يحتاج جهداً وصبراً.
ترغب التعلُّم فتحاول امتصاص عدة كتب ودورات في الوقت نفسه حتى تتفحم دوائرك الكهربائية وربما تبغض عملية التعلُّم نفسها.
احذر هجمة الزهد المفاجئة! التدرج بحكمة هو المفتاح.