في أول يوم لي في الصف الثالث الثانوي وقفت في الطابور الصباحي، ومر بي أحد المدرسين فوقف أمامي وسألني: هل فلان قريبك؟ ولما أعطاني صفته أجبت: نعم.
قلتها مذهولًا! فلم أرَ هذا الرجل من قبل ولم يرني، ولم أقل له اسمي، وملامحي لا تشبه قريبي، ولكنه من نظرة متفرسة أدرك القرابة فورًا.
عالم صغير. وتجد أمثلة لا حصر لها على صغر العالم من مواقفك مع الناس، فأكيد أنك التقيت كثيرًا بشخص يعرف شخصًا يعرفك، ففي وظيفتك تجد أن فلانًا هو شقيق لرجل متزوج بقريبتك، أو تلاحظين أن فلانة تشبه صديقتك العزيزة وتعلمين فيما بعد أنها فعلاً أختها، وقد وضع عالم مجري نظرية عام 1929م أن العالم يصغر بسبب التقنية التي جعلت التنقل والتواصل أسهل بكثير، وأكمل علماء أمريكان عمله بعد 30 سنة فقالوا إن أي شخصين في أميركا يمكنهما التواصل بما لا يزيد على شخصين فيما بينهما، وثلاثة كحد أقصى في العالم كله. لعلك تعمل مع شخص درس في مدرسة ابن عمك، وربما أختكِ التاجرة تعرف زبونة تعمل في شركة تعمل فيها امرأة درّست ابنتكِ.
ويستمر علماء في النظر فيها، فمن أواخر التجارب واحدة طبقت عام 2003م على عشرات الآلاف من المتطوعين. هذه النظرية اشتهرت ولكن اكتسبت اسمًا خاطئًا وهو ست درجات من البعد، ولم يقل الرقم ستة أحد من العلماء لكنه بقي، ولا تزال النظرية تثير تشويق كثيرين، وظهرت بطرق ظريفة، منها لعبة اخترعها طلاب جامعيون في ولاية بنسلفانيا اسمها ست درجات من كيفن بيكون، وهو ممثل شهير، وهدف اللعبة ربط أي ممثل مع بيكون، وهي أسهل من ربط الناس العاديين معًا؛ لأن الممثلين معروفون، فمهمتك في اللعبة أن تربط بيكون مع الممثل الفلاني، فيقول لك صديقك: اربط لي بيكون مع روبرت دينيرو. هنا الرابط مباشر، فكلاهما مثّل في فلم Sleepers، معامل الارتباط 1. يأتيك الآن تحدٍّ آخر: اربط بيكون مع مارلون براندو. براندو مثّل مع برندن فريزر في فيلم Big Bug Man الذي بدوره مثّل مع بيكون في فيلم The Air I Breathe، معامل الارتباط 2.
ماذا عنك؟ هل ترى أنك فعلًا ترتبط مع أي شخص في العالم بما لا يزيد على ثلاثة أشخاص؟